الوطن
د. محمود خليل
«مبارك» الأول.. و«مبارك» الثانى
تسعون عاماً كاملة أتمها الرئيس الأسبق حسنى مبارك يوم 4 مايو الحالى. كل من حكموا مصر ما بعد الثورة لم يعمّروا مثلما عمّر «مبارك»، يُستثنى من ذلك الرئيس محمد نجيب، الذى قضى عدة أشهر فى حكم مصر، حتى أقيل من منصبه كرئيس للجمهورية الأولى عام 1954، لكن العمر امتد به حتى دفن «عبدالناصر» ومن بعده «السادات»، وظل على قيد الحياة حتى دفنه «مبارك». الحياة أعمار، ولكل أجل كتاب، وخير البشر من طال عمره وحسن عمله.

مع الذكرى التسعين لميلاد «مبارك» انقسم المصريون قسمين وهم يتناولون شخصه؛ البعض أشاد بالرجل واحتفى بدوره فى حرب أكتوبر المجيدة، وسعيه إلى تهدئة الأوضاع فى مصر بعد اغتيال الرئيس السادات، رحمه الله، عام 1981. والبعض الآخر تذكر الدور الذى لعبه «مبارك» فى إفساد الحياة السياسية فى مصر عبر التزوير واحتكار السلطة والسعى إلى توريثها، والحياة الاقتصادية عبر آليات الفساد التى شاعت فى عصره، وأدت إلى الزواج بين المال والسياسة، وتراجع التعليم والصحة فى عصره، وغير ذلك من تهم توجه إلى الرجل. المدافعون عن «مبارك» جزء من الشعب استفاد من عصره، أما المهاجمون له فأغلبهم ممن أضيروا بفعل سياساته. وفى كل الأحوال تجد أن من يدافع أو يهاجم يستل سنوات معينة من العقود الثلاثة التى حكم فيها «مبارك» مصر ليبنى حكمه عليها. الأمر الذى يضعنا أمام «مباركين»؛ مبارك الأول ومبارك الثانى.

مبارك الأول حكم مصر منذ العام 1981 وحتى نهاية التسعينات. من عاش هذه الفترة يعلم أن «مبارك» بدأ رحلته فى الحكم بشرعية المشاركة فى نصر أكتوبر المجيد، وقد كان شريكاً أساسياً فيه، وكان لدوره كقائد للقوات الجوية الأثر الأهم فى الانتصار الذى تحقق. عندما تولى «مبارك» السلطة عام 1981 رفع شعار «نظافة اليد»، وحارب الفساد وفتح ملفات العديد من الأسماء التى برزت فى هذا السياق، وتمكن عام 1982 من استرداد طابا لتعود سيناء كاملة إلى الوطن الأم، أضف إلى ذلك الجهد الذى قام به خلال هذه الفترة فى مشروعات البنية الأساسية. ظل «مبارك» يتمتع بصورة ذهنية طيبة لدى المصريين حتى عام 1991، على وجه التقريب، أى طيلة عقد كامل من حكمه.

منذ العام 1991 بدأ مبارك الثانى رحلة حكمه لمصر، وذلك بالتزامن مع صدور قانون قطاع الأعمال العام فى العام نفسه، وهو الذى عُرف فيما بعد ببرنامج الخصخصة. كانت مشروعات القطاع العام حينها تعانى من مشكلات عدة، ونُظر إلى الخصخصة كأحد الحلول القادرة على إقالتها من عثرتها، لكن الذى حدث أن بوابة كبيرة للفساد تم فتحها فى عمليات البيع وإتمام الصفقات، وبدأت السياسة ترتمى فى أحضان المال. نعم كان للخصخصة بعض التأثيرات الإيجابية على إنعاش الاقتصاد المصرى، لكن قضايا الفساد التى اقترنت بها أعطبت هذه الإيجابيات. وبمرور الوقت بدأت تتشكل نخبة جديدة من رجال الأعمال الذين أصبحت لهم اليد الطولى فى الحياة السياسية، وأصبح المال العنصر الفاعل فى السياسة والثقافة والتعليم والعمل وكل نواحى الحياة فى مصر، ولأن المال يورّث أصبح التوريث منهج حياة خلال العقد الأخير من حكم «مبارك». وهى حالة أزعجت الضمير المصرى ودفعت المصريين للخروج فى 25 يناير 2011 مطالبين بإسقاط «مبارك» الثانى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف