فى الدول المتقدمة أعتقد أن تولى المناصب يرتبط بمهمات وتكليفات يحاسب عليها المسئولون.. وبقدر أهمية التكليف ضرورة دقة وسلامة اختيار المسئول وأنظمة الرقابة والمتابعة والمحاسبة على التقصير والإهمال.. ولكن يبدو أننا فى بلدنا حولنا المسئولية والمناصب إلى رجاهة واستقواء وتحرر من المسئولية والحساب والعقاب.. وأن هذا من أهم أسباب ما نحن فيه من فوضى وما نتعرض له من كوارث وأزمات، وبررنا عدم حساب المسئولين بألا تكون أيديهم مرتعشة وكأن احترام وتطبيق القانون لا يوفر الحماية الكاملة للمسئولين بفروض التكليفات والمهمات المكلفين بها.. وفى أغلب حالات الفوضى العظمى التى يجدف المصريون فى ظلماتها، ظهر أن عدم أداء المسئولين لمهماتهم لم يكن إلا غطاء لأشكال وممارسات فساد جسيمة وأن التقصير فى أداء ما عليهم من مسئوليات بادعاءات أنهم لا يملكون الصلاحيات لم يمنع أشكال وممارسات من الأسوأ فى استغلال السلطة كتغيرات أو تشويهات فى معالم محافظات وفى طرزها العمرانية والتاريخية بادعاء التجميل والتجديد ودون توافر حس حضارى أو ثقافى أو لجوء واستعانة بخبراء ومتخصصين تمتلئ بهم محافظاتنا.. وأصبحت مهزلة مؤسفة البحث فى كل كارثة عن ذبح موظفين أو مسئولين صغار فداء للسادة الكبار الواجب محاسبتهم على كل تقصير أو إهمال حدث فى نطاق تكليفاتهم، لأنه ببساطة يعنى غياب رقابة ومتابعة سيادتهم.. من المسئول أن 19 محطة رفع بمدينة القاهرة الجديدة لم يحدث لها صيانة منذ إنشائها قبل 20 عاما؟! من المسئول عن قيام بعض سكان الضاحية الأحدث والأكثر ثراء.. والتى قيل إن فكرتها الأصلية كانت لإقامة تجمعات للفقراء! من المسئول عن تحويل جراجات وأدوار سفلية إلى مساكن من طابقين كانت الأكثر تضررا بالأمطار؟! من المسئول عن الكارثة القومية التى يمثلها البناء فوق أخصب أراضى الوادى القديم ـ أعلن د. فاروق الباز أنه حسب رصد الأقمار لسرعات إتمام الجريمة المستمرة حتى الآن ففى عام 2050 لن يتبقى شبر واحد صالح للزراعة فوق أراض تكونت منذ آلاف السنين من خصوبة النيل وبكل ما سيتكلفه استصلاح الصحراء فى زمن الشح المائي!! وتكشف صفحة المحافظات يوميا بالأهرام ما لا يصدق من أشكال وجرائم إهمال للمسئولين فى المحافظات! من المسئول عن انهيار آلاف المبانى التاريخية والقصور التراثية وتحويلها إلى خرائب مهجورة!؟ من المسئول عن انتشار الفوضى والإهمال والفساد فى المشروعات والخدمات التى تحتاجها الملايين.. وكل ما يحدث فى غيبة مسئولين أكفاء وأمناء وأداء جاد للمسئوليات؟!!
القضية ليست فقط ما فعلته الأمطار بضاحية شهيرة وفاخرة شغلتنا عن معرفة ما حدث فى قرانا ونجوعنا، حيث أقسى أشكال الإهمال وافتقار أبسط مقومات الحياة!! ولنكن صرحاء مع أنفسنا.. لولا ما ترتب على الأمطار والسيول والعاصفة هل كان تغير أو تحرك شيء عما هو عليه من أداء مؤسف ومقصر يدفع المصريون تكاليفه المروعة بحياتهم وعذاباتهم اليومية؟!!
أرجو ألا نظل ننتظر أن تدلنا الكوارث لننتفض ونهرول لنوارى فضائح الإهمال والتقصير بمعالجات متعجلة وتبريرات مؤسفة تجعل الاعتذارات تبدو أقبح من الخطايا والذنوب؟!
إن لم نطبق القوانين المشددة والعقوبات الحاسمة والعاجلة على كل مسئول عن إهمال أو تقصير فى نطاق مسئوليته وعلى المسئولين الكبار قبل الصغار فلن يتوقف تفجر نافورات الفساد فى وجوهنا كما تفجرت بالوعات الصرف فى الضاحية الأحدث والأغني؟! ثم ألا يفرض درس الأزمة الأحدث أن يقوم المحافظون بعمليات جرد وفحص ومراجعات شاملة لكل ما تم وما لم يتم من مشروعات فى سنوات الفساد العظمى قبل الثورة وما حدث فى أعقابها من فوضى واختطاف واستعادة كثير من رموز الماضى والفساد للنفوذ والسلطة؟!! لقد دعوت أكثر من مرة أن يقوم كل محافظ بمراجعة شاملة وقراءة موثقة عن كل ما يتعلق بمحافظته سواء عن التكوين السكانى وعناصر القوة والضعف وما يحتاجون إليه والأزمات والأخطار التى تهددهم ومقومات الزراعة والصناعة وزيادة الإنتاج.. وما تحتاج إليه المحافظة وما أنجز وما لم ينجز من مشروعات.. وواقع المرأة والشباب ونسب الأمية والبطالة وفرص العمل تساعدنا فى تخفيف بعض ما ترتب ومازال يترتب على غياب الأداء المسئول والجاد من كوارث وأزمات!
تحية للنائب العام وللتحقيقات التى أمر بفتحها والفحص الفنى والمالى لمشروعات وانشاءات القاهرة الجديدة.. أثق أن الجهود المشتركة للرقابة الإدارية والنيابة العامة ستكشف عجائب ومخازى ما حدث ومازال يحدث من جرائم إفساد وفساد وإهمال وتربح واتجار بأرواح وأموال المصريين واستغلال للسلطة والنفوذ والمسئوليات أسوأ استغلال!!
لا أصدق أن دولة 30/6 تقصر فى حق شهيد واحد من شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم فداء لسلامة بلدهم أو يمكن أن تسمح بتفرقة بين أبناء الشهداء أو بإحساس بعضهم بالحرمان مما قدمته الدولة لأبناء وأسر شهداء آخرين.. زوجات وأمهات الشهداء الذين استشهدوا منذ بداية الثورة يرجون تعديل المادة واحد من القانون 16 لسنة 2018 التى تقصر حقوق الاستشهاد على من استشهد ابتداء من يناير 2014 وتحرم منه من استشهد من أبناء الجيش والشرطة المدنيين منذ 25 يناير!!؟
أنقل نداءات وأوجاع أمهات وزوجات وأبناء من استشهدوا منذ قيام الثورة إلى مجلس النواب ورجاءهن أن يتم فى هذه الدورة البرلمانية تعديل المادة وتمتع أسر الشهداء وابنائهم بالاستحقاقات التى تقررت فقط للشهداء منذ يناير 2014 لتأكيد المؤكد أن دولة 30/6 كما تقدر كل نقطة دماء استشهدت من أجل وطنها فلن تسمح بالتفرقة بين حقوقهم وسيتم فى هذه الدورة البرلمانية تعديل المادة واحد من القانون 16 لسنة 2018 الذى سبب جرحا عميقا لأسر شهداء الثورة ما قبل يناير 2014 الذين يكفيهم ويكفى أسر جميع شهدائنا ما فقدوا من أحباب ولا يريدون بعد فقدهم إلا العيش بكرامة وأثق أن الدولة حريصة على توفيرها لهم جميعا.