الأهرام
يوسف القعيد
الهموم الثلاثية
حيرة ما بعدها حيرة. أن يستقر يقينى وضميرى عما أكتب عنه. لا يهم ما يعنينى شخصياً. بقدر ما ألهث وراء ما يثير من الاهتمام. وما يمس مصالح الناس. خصوصاً الفقراء منهم. وما يمكن أن يشكل لحظة فاصلة فى فكر ووجدان وعقول المصريين.. هنا والآن.

بدأت بموضوع الكتاب الذى تقرر تدريسه بجامعة دمنهور. وفيه إساءة بالغة للشيخ محمد متولى الشعراوى وغيره. بعيداً عن الإساءة، شغلتنى آلية أن يقرر أستاذ أو مدرس كتاباً على الطلاب. مسألة تجارية بامتياز. توفر لصاحب الكتاب الذى هو الأستاذ أو المدرس، طبع كميات مهولة منه. وتحديد سعر غير عادى له.

سألت بعض من أعرفهم من أساتذة الجامعات. فسمعت ما يمكن أن يكون الهول الأعظم. بعيداً عن عبارة يوسف بك وهبى الشهيرة: يا للهول. قيل لى ولن أكتب أسماء الأساتذة الذين صرحوا لى بما فى صدورهم لسبب بسيط أننى لم أستأذنهم فى نشر أسمائهم مع الكلام الذى استمعت إليه منهم.

قالوا لى، إن الأمر يتم بأكبر قدر من الفوضى. من المفترض أن كل قسم فى أى كلية به مجلس علمى. وأن مجالس الأقسام العلمية تشكل المجلس العلمى للكلية. وأن تقرير كتاب على الطلاب لا بد أن يتم عبر المجلس العلمى. إما مجلس الكلية أو مجلس القسم. وأن الأمور لا تترك للمدرسين والأساتذة المساعدين والأساتذة ورؤساء الأقسام، لكى يقرروا كتبهم على الطلاب.

وكجزء من الازدواجية العامة التى نعيشها. ونتعايش معها. فإن المدون فى اللوائح والقوانين أمر. وما يجرى فى أرض الواقع أمر آخر. لا يمت له بأى صلة. فالذى يحدث ويجرى ويتم أن أياً كان له كتاب ما يمكنه أن يقرره على الطلاب. بهدف تجارى ولأن التعميم خطأ لا يجب أن نلهث وراءه فهناك من يقرر كتاباً لا تخطر بباله التجارة. ومعهم أيضاً تجار فرض وتقرير الكتب على التلاميذ لأهداف مادية ربما كانوا أكثر ممن يترفعون عن الكسب المادى.

لا يعنينى ما قاله رئيس جامعة دمنهور. ولا الاتهامات المتبادلة من أن المدرس الذى قرر الكتاب إخوانى سابق. لأنى أسأله ببساطة متناهية وكيف سكت عنه منذ سقوط الإخوان وحتى الآن؟ ولماذا لم يتم التعامل معه عبر مجالس تأديبية قانونية لا تتناقض مع الدستور؟ وأن ما فعله المدرس يقترب من الرموز بطريقة غير مقبولة. وحتى فكرة الرمز فى مجتمعنا غامضة وتحتاج لمزيد من الدراسة والتمعن. ولا بد أن تكون هناك معايير. حتى نطلق على هذا الإسم رمزاً، أو نحرم الآخر من أن يكون رمزاً.

قضية ثانية شغلتنىً. ما دوَّنه الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم. على موقعه، عن إنهاء العمل بتجربة المدارس التجريبية. التجربة التى عرفتها مصر خلال العامين الدراسيين 1977/1978، وكان الهدف منها إتاحة تكافؤ الفرص أمام جميع فئات المجتمع المصرى. وأن تكون الفرص دون تكلفة مالية تضيف الكثير لأعباء الأسرة المصرية. ونحن نعرف حجم ومدى الأعباء.

التطوير سنة الحياة. ولا يوجد نظام يضعه البشر يمكن أن نمنحه القداسة. لأن منح القداسة ليس من حقنا. لكن الذى يحكم بقاء النظام واستمراره أو تطويره أو إلغاؤه تبقى مصلحة الناس. التى يجب أن تكون المقياس الذى لا مقياس غيره لأى تطوير. ولا أتصور ولا أعتقد أنه من حق وزير التربية والتعليم حتى لو كان من المؤسسين الكبار لفكرة التربية والتعليم فى مصر أن يلغى نظاماً بعد 31 سنة لمجرد أنه رأى ذلك. ولو حتى شكَّل لجاناً علمية توصلت لهذا. فلا بد أن يسبق التطبيق توافق مجتمعى ومناقشة على مستوى المجتمع كله وليس أولياء الأمور فقط ونخرج من المناقشات بما يمكن أن نتفق عليه. أو حتى لا نتفق عليه. أما التعليمات الفوقية، وإن جاءت عبر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعى من الوزير. فهو أمر لا بد من التوقف أمامه. فأعتقد أن فيه تجاوزا لسلطات الوزير.

القضية الثالثة محنة المعاشات. لن أناقش زيادات معاشات الكبار بعد زيادة رواتبهم بنسب غير عادية. يوم أن أعلنت هذه القرارات. قلت لنفسى إن أى مواءمة اجتماعية تخطر على البال كانت تستلزم النظر للفقراء أصحاب الحد الأدنى من الأجور. ولن أوجع قلبى ولا قلوب القراء بالكلام عمن من يعيشون تحت مستوى خط الفقر. رغم مسئوليتنا الكاملة عن الظروف التى يعيشون فيها.

هل أصل ما أريد الوصول إليه من أقصر الطرق؟ سبق قرار زيادات رواتب ومعاشات الكبار أن تقدمت حكومتنا الرشيدة بالطعن على حكم قضائى صادر لصالح أصحاب المعاشات. يتعلق بأحقيتهم فى ضم نسبة 80% من قيمة آخر 5 علاوات لمعاشاتهم. وقد قبل الطعن فوراً. رغم أنه قدم لمحكمة غير مختصة. وهذا ما دفع البدرى فرغلى، وهو من يتحدث آناء الليل وأطراف النهار بأسماء فقراء أصحاب المعاشات بالطعن على الطعن. مما يعنى أن الموضوع دخل دائرة الموضوعات المؤجلة لسنوات لا يعرف سوى الله سبحانه وتعالى مداها.

لو اقتربنا من حقيقة أوضاع أصحاب المعاشات الصغيرة. لوجدنا أن متوسط معاشاتهم يبدأ من الخمسمائة جنيه. وفى أحسن الأحوال وأندرها وأكثرها ندرة. ربما يصل إلى الألف جنيه. وكلا المبلغين لا يمكن أن يفتح بيتاً. ولا أن يرعى أسرة. ولا أن يوفر حياة الكفاف وما أدراك ما الكفاف لأسرة مصرية الآن إذا وضعنا فى الاعتبار هيستيريا الأسعار وجنونها الذى ينطلق بلا ضابط ولا رابط. وإذا لم نحاول أن نتناسى أننا على أبواب شهر رمضان. وهذا الشهر رغم عطره الدينى غير العادى وروحانياته الجميلة. إلا أنه يرتبط فى الأذهان دائماً وأبداً بارتفاع الأسعار.

وما دام قد تم رفع رواتب ومعاشات الكبار. رغم أن الزيادات تقنين لأوضاع سابقة كانت موجودة. وقائمة منذ سنوات. وأنها ليست جديدة ولا طارئة. لكن هذا التقنين الأخير حتى لو كان لأمور قائمة بالفعل. ألم يكن يستلزم نظرة أخرى للفقراء أصحاب المصلحة الحقيقية فى الوطن. وهم من يستحقون نظرات العطف والرعاية من المصريين.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف