مقطع فيديو تداولته مواقع التواصل ينقل مظاهرة احتجاجية قامت بها مجموعة من السيدات المصريات بُحّ صوتهن فى الهتاف ضد قرار وزير التعليم بإلغاء التعليم باللغات (لمادتى الرياضيات والعلوم) بالمرحلة الابتدائية بالمدارس التجريبية. من بين الهتافات التى ترددت: «لا لا للتعريب.. نعم نعم للتطوير».. و«الرسمية للغات.. واللغات يفضل لغات». السيدات معذورات، فكل منهن تحمل تجربة، مثل تلك التجارب التى يحملها الرجال الذين تعلموا فى مدارس الحكومة بـ«العربى»، فأصبح ينظر إليهم كمتعلمين درجة رابعة، حيث يسبقهم خريجو المدارس التجريبية للغات، وقبلهم خريجو المدارس الخاصة لغات، وقبلهم خريجو المدارس الدولية. والتعليم من الدرجة الرابعة يؤدى بالبداهة إلى العمل أسفل سلّم الوظائف الاجتماعية.
هؤلاء السيدات لسن ضد التطوير، أو ضد لغتهن القومية، أو خائنات لتوجهات الجماعة الوطنية والنخب المثقفة التى ظلت تنادى سنين طويلة بتعريب العلوم، إنهن فقط سيدات لديهن وعى كافٍ بالواقع ويُردن ضمان وضع أفضل لأبنائهن، ويراهنّ فى ذلك على المدارس التجريبية لغات، وهنّ على يقين من أن خريجى المدارس الخاصة والدولية أعلى كعباً ومقاماً من أبنائهن، لكنهن يرفعن شعار: «شىء أفضل من لا شىء». الكثير من الوظائف فى مصر تشترط أن يكون المتقدم لها من خريجى مدارس اللغات، وتجعل اللغة شرطاً أساسياً للالتحاق بها، ولعلك تتابع التوجه الذى أصبح سائداً داخل العديد من الكليات بإنشاء أقسام أو كليات موازية لتعليم التخصص باللغة الإنجليزية، والواقع يقول إن حظوظ خريجى اللغات أفضل من خريجى «العربى».
الوزارة من جهتها تقول إن برنامج التطوير يشتمل على اهتمام أكبر بتعليم اللغات الأجنبية طيلة سنوات التعليم، سواء داخل المدارس الحكومية أو التجريبية. وأخشى أن يكون هذا الكلام يساق من أجل التعمية على نزع مسمى «اللغات» عن المدارس التجريبية. أغلب أبناء جيلى تعلموا فى مدارس حكومية، ويعلمون مستوى مدرّسى اللغات بها. ومؤكد أن هذا الوضع مستمر حتى الآن، لأن مدرس اللغات بالحكومة هو مدرس درجة ثالثة، يسبقه مدرسو المدارس الخاصة والدولية، والأسباب مفهومة بالطبع.
الناس واعية بكل هذه الأمور، وأنا على يقين من أن السيدات اللائى هتفن ضد «التعريب» مؤمنات باللغة القومية، لكنهن يجدنها بلا سِعر فى سوق العمل. إنهن يفهمن أن الدستور ينص على أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للدولة المصرية، لكنهن يعلمن أن هذه المادة تعامَل كغيرها من مواد الدستور التى تم النص عليها دون أن تكون ملزمة لأحد.
لست أختلف على رغبة الدكتور طارق شوقى فى التطوير، لكننى عاتب عليه فى أمرين: أولهما أن اهتمامه بإقناع البنك الدولى بخطة التطوير سبق اهتمامه بإقناع المجتمع المصرى بها، أفهم بالطبع أن البنك هو مموّل المشروع، لكن التطوير بدون مشاركة الناس أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة. وثانيهما تهديده للمعترضين على خطته بأنها ستطبق شاءوا أم أبوا. وزير التعليم ذكر أن برنامج التطوير يستهدف إنتاج خريج «يفهم» وليس «يحفظ»، وحديثه القائم على تلقين تطويره للناس حتى يحفظوه عن ظهر قلب وتهديده لمن يريد الفهم دليل على أنه «حافظ مش فاهم»!