المصريون
د . حازم حسنى
مُحاور لإبليس ... أم ناقل لرسائله؟
استمعت باهتمام لحوار الأستاذ يوسف ندا مع قناة الجزيرة، ومن قبله لحوارين مع الأستاذين كمال الهلباوى وإبراهيم منير، وثلاثتهم من المحسوبين على التنظيم الدولى للإخوان حتى وإن كانوا جميعاً قد بدأوا حياتهم التنظيمية فى أحضان التنظيم الأم لجماعة الإخوان فى مصر؛ أو لنقل، لمزيد من الدقة، إن ثلاثتهم من الذين ارتبطوا تاريخياً بالأنشطة الدولية لجماعة الإخوان ... أضيف لهذه الملاحظة ملاحظة أخرى تتعلق بعدم ارتياح كوادر الإخوان فى التنظيم الأم (التنظيم المصرى للإخوان) لمبادرات الأساتذة ندا ومنير والهلباوى، بما يعنى أن ثمة مسارات للجماعة تتنازعها وتأخذها نحو تحقيق غايات تتنافر فيما بينها ولا تتجاذب ... هاتان الملاحظتان أرى من المهم التوقف عندهما لاحقاً لفهم المسارات المتوقعة للأزمة الإخوانية خلال المرحلة القادمة، لكننى أكتفى هنا فقط ببعض الملاحظات الأخرى المتعلقة بالظهور الإعلامى مثير الجدل للأستاذ يوسف ندا.
أكد الأستاذ ندا أكثر من مرة خلال حديثه على أنه مستعد لمحاورة الجميع، بمن فيهم إبليس نفسه الذى حاوره الله فى القصص القرآنى المعروف، وذلك حسبما برر الأستاذ ندا موقفه من قضية الحوار مع السلطة القائمة فى مصر؛ وعلى الرغم من أننى لا أرى فيما جرى من حديث بين إبليس وبين الذات الإلهية فى القصص القرآنى ما يمكن تصنيفه باعتباره حواراً أو مفاوضات، إلا أن الرجل برر بهذا القصص القرآنى استعداده للتحاور مع نظام السيسى فى إطار ما تجرى به ألسنة بعض الوجوه الإخوانية من وجود قنوات اتصال غير منتظمة بين النظام والتنظيم !
بعيداً عن التبريرات الدينية لفكرة الحوار بين الجانبين، فإن ما ساقه الأستاذ ندا من شهادة - هو مسؤول عنها - بخصوص اتصالات تمت معه من جانب بعض الشخصيات، التى نفهم من حديثه أنها تنتمى لما يُعرَف بالجهات السيادية، إنما يستحق أن نتوقف عنده، إذ لو ثبتت صحة حديثه هذا فإنه يزيح الغموض عن بعض الحملات التى تتعرض لها بعض وجوه المعارضة فى مصر، متزامنة مع مبادرات إخوانية مثيرة للجدل، وبعض هذه الحملات كنت شاهداً عليها ومكتوياً بنارها !
يقول الأستاذ ندا فى شهادته، والعهدة على الراوى، إن بعض هذه الشخصيات - التى لم يحددها بالاسم - طلبت منه أكثر من مرة أن يكتب مقالات أو رسائل مفتوحة تحمل أفكاراً بعينها، وأنه قد استجاب لطلباتهم - حسب شهادته - أكثر من مرة ! ... تذكرنى هذه الشهادة بالرسالة المفتوحة التى وجهها الأستاذ ندا مخاطباً الفريق سامى عنان بعد إعلانه اعتزام الترشح للانتخابات الرئاسية 2018 محدداً فيها (أى السيد ندا) مجموعة من ستة شروط على الفريق عنان التعهد بتحقيقها حال فوزه بالرئاسة ليحظى بتأييد الإخوان، وكانت هذه الرسالة المفتوحة - تحديداً - هى بداية حملة شرسة اتهمت الفريق سامى عنان بأنه حصان طروادة الذى يستهدف إعادة الإخوان والدكتور محمد مرسى للحكم !
السؤال المهم هنا هو هل كانت هذه الرسالة المفتوحة الموجهة للفريق سامى عنان ضمن ما استجاب له الأستاذ يوسف ندا من طلبات هذه الشخصيات القيادية، التى راوغ بشأن معرفته بأسمائها، خاصة وأنه قد برر استجابته لطلباتهم بأنه قد رآها طلبات "منطقية"؟ وهل يفسر هذا ذلك التنسيق المذهل بين إعلان الأستاذ ندا لشروطه الستة وبين حملة أخونة الفريق سامى عنان فى قنوات إعلام السلطة المقروءة والمرئية؟
ما سبق من أسئلة إنما تزداد أهمية البحث له عن إجابة فى ظل ما راوغ بشأنه الأستاذ ندا من شبهة وجود اتصالات بينه وبين الفريق عنان ! ... فما معنى ألا يجيب الأستاذ ندا عن سؤال الإعلامى أحمد طه له بشأن وجود مثل هذا الاتصال من عدمه؟ وما معنى أن يشير إلى أن إجابته عن مثل هذا السؤال قد تتسبب فى إعدام الفريق عنان إلا أن يلقى بإجابته السلبية هذه مساحات من الشك حول وجود مثل هذه الاتصالات، وهو ما زاد من وطأته تعليق الإعلامى أحمد طه على هذه الإجابة السلبية للأستاذ ندا؟!
قد لا أكون اليوم متحدثاً رسمياً باسم الفريق سامى عنان بعد أن تم تغييبه عن المشهد العام منذ مئة يوم ونَيِّف، لكننى مازلت أملك الحق فى الإدلاء بشهادتى على التاريخ الذى يحاول تطويعه الأستاذ يوسف ندا، ومعه تنظيم لا يفصح عن نواياه ولا عن شبكة اتصالاته وتحالفاته بشكل صريح ... إذ كنت قد طرحت على الفريق سامى عنان بشكل صريح سؤالاً عن موقفه من المحاكمات التى تجرى للقيادات الإخوانية ولكل المنتسبين - عن حق أو عن باطل - لجماعة الإخوان، وأتذكر أن إجابته كانت واضحة وهى أنه لابد من إعادة الاعتبار لمنظومة العدالة فى مصر، لأن خلط الأوراق، وتوريط منظومة العدالة فى تصفية حسابات السلطة مع خصومها السياسيين، لن يفيد استقرار الدولة فى شئ، بل هو قد يمنح قيادات الجماعة التى تستحق المحاكمة فرصة الهروب من المسؤولية بادعاء المظلومية !
ليس فى موقف الفريق عنان هذا من قضية العدالة أى سر أكشف عنه الآن، فقد سبق أن عبرت عنه فى وجود الفريق عنان قبل اعتقاله، مؤكداً على أن العدالة يجب أن تكون عمياء وإلا فقدت صفة العدل، فهى ليست معنية بشخص المتهم وإنما فقط بالوقائع محل الاتهام؛ وأذكر فى هذا المقام، بعد أن نشر السيد يوسف ندا شروطه الستة، أن ظهر الاستياء على وجه الفريق عنان، كما عبر عن استيائه هذا بقوله إن الإخوان يرغبون فى توريطه، فإما أن يهاجمهم هجوماً مفتوحاً يتنكر لما يؤمن به من ضرورة إعادة الاعتبار لمنظومة العدالة، أو أن يتمسك برؤيته لما يجب أن تكون عليه منظومة العدالة فتصيبه سهام الاتهام بأنه يعمل لصالح الإخوان !
الأمر ازداد صعوبة حين دخلت على الخط وسائل الإعلام التى تعمل لحساب النظام، وإصرارها على أن تدفع الأمور بما يضع الفريق عنان ومشروعه السياسى لاتخاذ موقف يجعله فريسة لأحد اختيارين كلاهما يُسقِط الفريق عنان فى فخ المأزق الذى شارك فى صياغته الأستاذ يوسف ندا برسالته المفتوحة والمفضوحة !
من حق كل باحث عن الحقيقة أن يسأل اليوم - بعد تصريحات الأستاذ ندا التى يعترف فيها باتصالاته مع رجال النظام، واستجابته أحياناً لمطالبهم الإعلامية - عن ملابسات نشر السيد ندا رسالته المفتوحة التى لم ترى العدالة إلا مشروطة بمصلحة التنظيم التى تحالفت وقتها - وبشكل مريب - مع مصلحة النظام، حتى وإن بدت المصلحتان ظاهرياً فى حالة خصام وجودى؟!
أتساءل اليوم عن مغزى ظهور السيد ندا مرة أخرى، بمثل هذه التصريحات التى لمح خلالها بأن لديه من المعلومات ما قد يذهب بالفريق عنان إلى الحكم عليه بالإعدام، وعن مغزى أن يأتى ظهوره الإعلامى هذا قبل أيام قليلة فقط من الموعد المقرر لصدور حكم المحكمة العسكرية عليه فيما تنسبه السلطة الحاكمة إليه من جرائم جنائية تفقده الاعتبار وتدمر كل تاريخه العسكرى ومستقبله السياسى ... هل هو ظهور تم استجابة لمكالمات تلقاها السيد ندا - كسابقاتها - فاستجاب لطلبات أصحابها كما استجاب من قبل؟
ظهور السيد ندا فى هذا التوقيت، وبهذه التصريحات المراوغة، لابد وأن يفتح باب الحديث عن مسارات ومآلات لابد من كشفها قبل أى تحرك سياسى فى اتجاه تحقيق مصالحة وطنية لا تريدها هذه القيادات الإخوانية العليا أن تكون وطنية بل مجرد مصالحة مع مشاريعها وأهدافها التى دمرت مصر، وتاجرت فى سبيل تحقيقها بدماء وعذابات المصريين، تحت شعار محاورة إبليس، وهى فى حقيقتها مناورة تخفى وراء حكمتها الزائفة حقيقة الرسائل التى ينقلها المحاور للغافلين عن إبليس وعن قبيله الذى يوسوس فى عقول الناس وفى ضمائرهم !!
ومازال لحديث المناورات بقية !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف