بوابة الشروق
السفير علاء الحديدي
معضلة الرئيس بوتين فى ولايته الرابعة
بدأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يوم الإثنين ٧ مايو الحالى ولايته الرابعة، وقد وضع نصب عينيه هدفا واضحا ومحددا، ألا وهو العمل على تكريس دور روسيا على الساحة الدولية، والاعتراف بها كقوة عظمى، حقيقة إن الرئيس الروسى قد نجح إلى حد كبير فى استعادة دور روسيا على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق وتراجع دور روسيا فى عهد سلفه بوريس يالستين، إلا أن هذا الدور ما زال يواجه العديد من المصاعب والعقبات التى تلقى بظلال من الشك حول مستقبل روسيا كقوة عظمى تنافس الولايات المتحدة أو حتى الصين الصاعدة، فما هى أهم هذه العقبات أو التحديات؟

بداية، فقد تبنى بوتين نهجا مزدوجا من شقين يخدمان بعضهما البعض، الشق الأول يقوم على تعظيم قوته العسكرية من خلال برنامج غير مسبوق لإعادة بناء وتسليح القوات المسلحة والنهوض بالصناعات العسكرية، أما الشق الثانى، فيقوم على تبنى خطاب وطنى يقوم على إعلاء الهوية القومية الروسية كهوية منفصلة فى قيمها عن الغرب الليبرالى، وقد نجح بوتين إلى حد كبير فى استنهاض الهمة الروسية، وخاصة بعد نجاحه فى ضم شبه جزيرة القرم فى مارس ٢٠١٤، وهو ما كان سببا رئيسيا فى زيادة الدعم الشعبى له ونجاحه فى الانتخابات الرئاسية بنسبة ٧٦،٦٪ من نسبة حضور بلغت ٦٧،٤٧٪، وقد جاء نجاح بوتين هذا على الرغم من العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الدول الغربية على بلاده، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية.

هذا، ورغم تجاوز بوتين للأزمة الاقتصادية التى نجمت عن العقوبات الغربية، إلا أن الاقتصاد الروسى ما زال يراوح مكانه، فروسيا رغم كونها أكبر دولة فى العالم مساحة، إلا أنها تحتل دوليا المرتبة الثانية عشرة اقتصاديا باقتصاد يبلغ ١،٥٢ تريليون دولار، وتتمتع بمعدل نمو متواضع للغاية (١،٥٪) مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، فالصين مثلا تحتل المرتبة الثانية عالميا باقتصاد يبلغ ١٤ تريليون دولار، وتحظى بمعدل نمو (٦ ــ ٧٪) وفى طريقها لانتزاع المكانة الأولى من الولايات المتحدة التى يبلغ اقتصادها حاليا ٢٠،٤ تريليون دولار، بينما تحتل الهند المرتبة السابعة عالميا باقتصاد يبلغ ٢،٨٥ تريليون دولار وتحظى بمعدل نمو (٧ــ ٨٪) وفى طريقها للتقدم إلى المرتبة الرابعة.

ولذلك فإن حجم الاقتصاد الروسى وترتيبه العالمى لا يستقيم مع دولة تطمح فى أن تكون القوة العظمى الأخرى فى العالم، وإذا كانت روسيا قد اعتمدت فى السابق على قوتها العسكرية وما تملكه من ترسانة نووية هى الأكبر عالميا، فإنها أيضا وبنفس الأهمية بحاجة شديدة وملحة للنهوض باقتصادها حتى تستطيع مجاراة سباق التسلح مع كل من الولايات المتحدة والصين. ويظهر هذا حين يتم مقارنة أرقام الميزانيات العسكرية لهذه الدول الثلاث: ٦١٠ مليارات دولار للولايات المتحدة الأمريكية، ثم ٢٢٨ مليار دولار للصين وأخيرا ٦٦،٣ مليار دولار لروسيا طبقا لمعهد إستكهولهم للسلام الدولى.

إذا، فإن ضعف الاقتصاد الروسى يمثل أهم عائق أمام بوتين لتحقيق هدفه، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة على رأسها استمرار اعتماد الاقتصاد الروسى على النفط الذى يمثل ٧٠٪ من الصادرات و٥٢٪ من إيرادات الدولة، وكان انهيار أسعار النفط فى النصف الثانى من الثمانينيات مع تفاقم النفقات العسكرية جراء التدخل العسكرى فى أفغانستان ما فاقم من أزمة الاتحاد السوفيتى السابق. وأخيرا جاء إطلاق الرئيس الأمريكى آنذاك، رونالد ريجان، لسباق تسلح فى الفضاء عرف باسم حرب النجوم، وعجز الاتحاد السوفيتى عن مجاراته، ما عجل بسقوط الاتحاد السوفيتى وانهياره.

لم يفت ما تقدم من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتى على القيادة الروسية الحالية، ورغم محاولاتها تنويع الاقتصاد الروسى للخروج من أسر الاعتماد على النفط والغاز الطبيعى، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن، ويبدو أن «إدمان النفط» ما زال يسيطر على الفكر الاقتصادى الروسى. فقد تبنى الكرملين سياسة تقوم على استحواذ حقول النفط والغاز فى بعض البلدان مثل العراق وإيران، فضلا عن الدخول فى شراكات استراتيجية مع بعض شركات النفط العالمية. وذلك بهدف أن تصبح موسكو أكبر منتج للنفط فى العالم والمتحكم الرئيسى فى تحديد سعره.

إلا أن الرياح لا تأتى دائما بما تشتهى السفن، فقد أدت الثورة التكنولوجية التى شهدتها صناعة النفط الأمريكية فى استخراج ما بات يعرف باسم «النفط الصخرى» إلى انخفاض حاد فى أسعار النفط. فقد تهاوى سعر برميل النفط من نحو ١٠٥ دولارات للبرميل إلى أقل من ٣٠ دولارا بمنتصف عام ٢٠١٦، الأمر الذى كاد يهدد بتكرار سيناريو ما حدث فى نهاية الحقبة السوفيتية. وهو الأمر الذى دفع روسيا للاتفاق مع السعودية ــ باعتبارهما أكبر منتجين للنفط فى العالم ــ على تقليص الإنتاج وبالتالى ما هو معروض منه فى السوق حتى ترتفع أسعاره من جديد، وقد أثمر هذا الاتفاق على استعادة سعر برميل النفط عن بعض من خسائره ويدور سعره حاليا حول ٧٠ دولارا، إلا أن الإنتاج الأمريكى من النفط الذى ما زال يواصل ارتفاعه بات يهدد توازن السوق من جديد، وخاصة مع تقدم الولايات المتحدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف