إذا كان النسيان نعمة أحياناً.. إلا أن ذاكرة الشعوب لا يجب أن تكون ذاكرة أسماك. وأحياء مائية. تتقاذفها الأمواج. وتلتهمها الحيتان.
وأتصور أن هذا هو دور المؤرخين علي المدي الزمني البعيد. والمفكرين والكُـتَّاب علي مدي حياتنا المعاصرة واليومية.. لكي تمضي مسيرتنا في أمن واستقرار يتيح لنا التنمية والتقدم. بعيداً عن الحاقدين والمتآمرين الذين يريدون إعادة عقارب الساعة إلي الوراء. حيث كادت تضيع البلاد والعباد. في خضم ما أسموه ثورات الربيع العربي. أو الزهور التي زعموا أنها تتفتح في جناين مصر.
من المهم أن نتذكر جيداً كيف كُنا.. وكيف أصبحنا؟!.. ما بين ربيعين: الأول في 2011 والثاني في هذه الأيام في ربيع 2018. ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان في أمن وأمان مع عودة "الدولة" التي تضمن للناس نشر الأمن. وتطبيق القانون. والعمل علي توفير الحياة الكريمة للمواطنين ليمضوا في منظومة إعمار الكون مع دول المجتمع الدولي التي لا تسودها الفوضي والفتن والحروب والنزاعات.
لا أتحدث عن الطفرة التي حدثت في ارتفاع الاحتياطي النقدي للبنك المركزي المصري. الذي وصل إلي 44 مليار دولار. والذي كان قد تعرض لهزة وانهيار مع بداية ربيع 2011 لينخفض إلي 14 مليارًا. بعدما كان قد بلغ في ذروة النجاح الاقتصادي لحكم مبارك 36 مليار دولار. بعد ثلاثين عاماً من الحكم. وإسقاط الديون والتنمية التي كان يتردد أنها سوف تتساقط علي الشعب.. ولم يحدث!!
ولا أتحدث عن توفير السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق لحد الإغراق هذه الأيام مع قرب رمضان. أو جدول صرف المرتبات للموظفين والعاملين في الحكومة قبل موعدها بأربعة شهور في المناسبات والأعياد.. أو حالة التراحم والتكافل الاجتماعي التي ينفرد بها المصريون في مثل هذه الأيام المباركة التي تنشر السعادة والحب وتؤلف بين قلوب المصريين القادرين وغير القادرين.
لا أتحدث عن ذلك لأن هذا هو واجب وشرعية حكم.. ولا شكر علي واجب. ولا مجال لنفاق ورياء لا نريده لأنفسنا ولا لشعبنا.. ذلك لأننا لا يزال أمامنا مشوار طويل من العمل والإصلاح ومحاربة الفساد والارتقاء بالإدارة الحكومية والمسئولين. ونواب الشعب. ودعم الحرية ونشر ثقافة الحوار المجتمعية حول كافة قضايانا الوطنية.
* * *
.. ولكن ما شدني هذا الأسبوع. هو صفحة من تاريخ مصر القريب في ربيع 2011.. عام الثورة علي وجه التحديد في شهر أبريل.. سطرها يوم السبت الماضي الكاتب الصحفي القدير الأستاذ مصطفي بكري في صحيفة "أخبار اليوم" تتناول أزمة المحافظ القبطي عماد شحاتة ميخائيل. الذي تم تعيينه محافظاً لقنا. وهي من أخطر الأزمات التي واجهت المجلس العسكري الحاكم في هذه الفترة برئاسة المشير حسين طنطاوي. الذي ألقيت في جعبته مسئولية البلاد في ظروف ثورية عصيبة. ومؤامرات وتحديات.
للأسف.. إن خطورة هذه الأزمة لا تدخل في إطار حالة الفوران الثوري. التي صاحبت تلك الفترة.. ولكنها تتعاظم لأن مثلها كان سيكون أسلوب وسياسة حكم دائمة لتلك الجماعة السياسية المتأسلمة. وغيرها من الجماعات السلفية. التي حرضت أهلنا في قنا علي رفض تعيين اللواء عماد شحاتة محافظاً لقنا. خلفاً للواء مجدي أيوب "المسيحي الديانة" أيضاً. مما دفع أعداداً غفيرة من أهالي قنا إلي التظاهر والاحتجاج والاعتصام في مواجهة هذا القرار.. وقامت الرموز السلفية والإخوانية. ومعها بعض الرموز القبلية بالدعوة إلي مظاهرات حاشدة يوم الجمعة 15 أبريل.. وبدأت عمليات التحريض تتسع في كل أنحاء المحافظة من خلال الاتصالات وبعض أئمة المساجد. وعبر شبكات التواصل الاجتماعي. مما تسبب في خروج مظاهرة كبري من مساجد قنا لا تقل عن ثلاثين ألف متظاهر في اعتصام مفتوح لحين التراجع عن هذا القرار.
ويتصاعد هذا الجنون الطائفي بقطع كل الطرق المؤدية إلي قنا. ومن بينها السكة الحديد. والإعلان عن محاصرة بعض المنشآت الحيوية في المدينة. وقاموا بقطع كافة الطرق وقيام المجلس الشعبي المحلي بتجميد أعماله لحين الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
ولا يتسع المجال لإعادة التذكير بهذه المأساة. التي لم تنته ــ إلا للأسف ــ بالرضوخ والاستجابة لمطالب هذه الجماعات "المخبولة" التي كادت تمضي بالبلاد إلي المجهول. والفتن والحروب الأهلية. والاقتتال.. ولكن لم يكن أمام سلطة الحكم خيار آخر. حتي استيقظ الشعب وتيقن من أبعاد المؤامرة. وقام بثورة 30 يونيه التي مازال ثعابين القنوات الفضائية المعادية يسمونها انقلاباً!!
أيها المصريون.. تنبهوا.. وتذكروا. فإن الذكري تنفع المؤمنين.