جمال سلطان
إيران تعلن انتصارها في لبنان !
كان مثيرا جدا تصريح قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني بأن إيران أعطت الدرس للسعودية في انتخابات لبنان ، وعليها أن تنتظر الدرس الثاني في انتخابات العراق ، يتحدث باعتباره من "يهندس" الانتخابات في البلدين العربيين ، ويحدد نتيجتها ، وبدون شك ، وبعيدا عن غطرسة نظام الملالي في إيران ، فإن حزب الله وحلفائه حققوا نجاحا لافتا في تلك الانتخابات ، خاصة على حساب كتلة المستقبل التي تمثل سنة لبنان ، وهي الكتلة التي يقودها رئيس الوزراء سعد الحريري ، والذي يتحمل مسئولية أكبر عن تلك الخسارة ، ليس فقط لأنه يفتقر إلى الكاريزما السياسية والحضور الذي كان يمثله والده ، بل أيضا لاضطرابه السياسي وهشاشة مواقفه ، خاصة في الأشهر الأخيرة وإقامته الطويلة خارج البلاد ، واستقالته ثم العودة عنها ، وأخطائه الاستراتيجية في تحالفات داخلية ضد مصالح قاعدته الانتخابية ، انتهت لاستنزافه وتحقيق المكسب للآخرين على حسابه ، خسر سعد الحريري ثلث مقاعده في البرلمان اللبناني تقريبا .
مفردات الانتخابات تظهر أن تنظيم حزب الله خسر مقعدين على الأقل ، وخاصة في أحد أهم معاقله ـ بعلبك /الهرمل ـ كما تظهر أن حركة أمل الشيعية أيضا التي يرأسها نبيه بري حصلت على عدد من المقاعد أكبر مما حصل عليه حزب الله الشيعي ، رغم أن حزب الله يرفع شعار المقاومة ويتاجر به كثيرا ، وتفوق حزب الله هو في الحقيقة نجاح عدد من الشخصيات التي مول حملاتها ودعمها بالمال الإيراني وكلهم من المؤيدين للطاغية السوري بشار الأسد ، كما يضاف إليها كتلة رئيس الجمهورية ميشيل عون الذي يدين لحزب الله بوصوله إلى كرسي الرئاسة الذي كان أشبه بحمل بعيد المنال عنه .
عقب ظهور نتائج الانتخابات انطلقت أمواج من أنصار حزب الله "المقاوم" تجتاح بيروت على ظهور السيارات والدراجات النارية وهي تهتف : بيروت شيعية بيروت شيعية ، كما ذهبت مجموعات منهم إلى تمثل رفيق الحريري ، الذي اغتاله عناصر تابعة لحزب الله ، وصعدت إليه وعلقت رايات حزب الله عليه في إشارة إذلال وإهانة لا تخفى رمزيتها ، وقد انتهت الأحداث بعد وقوع اشتباكات طائفية كانت تنذر بتفجر حرب أهلية طائفية جديدة ، واضطر الجيش اللبناني الذي وقف طويلا موقف المتفرج على ما يجري ، اضطر إلى إصدار بيان يهدد فيه من يطلقون النار في الشوارع احتفالا .
لبنان بلد صغير المساحة وعدد السكان أيضا ، وهو فسيفساء طائفية فرضت نفسها على تقسيمة السلطة ، فمنحت رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة الحكومة للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة ، والمحاصصة الطائفية والتنوع الطائفي الواسع منح لبنان خصوصية أكثر من غيره من البلدان العربية ، فلم يظهر فيه طغاة مستبدون يمتلكون البلاد والعباد في قبضة قمعية واحدة ، فكان أن شهد انفتاحا ثقافيا وتوهجا إعلاميا وفنيا وأدبيا وفكريا لفترات طويلة امتدت آثارها لمختلف بلاد العرب ، كما ظل رمزا للجمال والتسامح لسنوات طويلة ، قبل أن يقطع ذلك الحرب الأهلية في سبعينات القرن العشرين الماضي ، وما خلفته من جراح دموية ما زال كثير منها لم يندمل ، وهذا التقسيم الطائفي جعل لبنان وسياساته الداخلية والخارجية معا أسيرة الصراعات الإقليمية وتدخلات الدول ، فهو بلد لا يملك ثقلا إقليميا بقدر ما يمثل فناءات خلفية لقوى إقليمية مختلفة .
من حيث الواقع العملي لن تغير نتائج الانتخابات أي توازنات سياسية داخلية ، فحزب الله يسيطر بقوة السلاح ـ الظاهر والخفي ـ على القرار اللبناني ، ولا يوجد قوة يمكنها أن تمضي قرارا إلا بموافقته ، حتى لو لم يكن له عضو واحد في البرلمان ، وهو الذي أوصل ميشال عون لرئاسة الجمهورية ، ولكن الانتخابات ستعزز من المظلة الشرعية على تحركاته بدلا من أن تظل ميليشياوية ، وبطبيعة الحال سيكون سعد الحريري هو المرشح الأهم وربما الوحيد لرئاسة الوزارة ، فما زال يملك الكتلة السنية الأكبر (21 معقدا) ، كما أنه سيكون المرشح المفضل لحزب الله نفسه أيضا ، لأنه أضعف واجهة سياسية يمكن أن يتعامل معها في الحالة السنية ، كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان والذي يحتاج إلى ضخ الكثير من المعونات الدولية سيجبر حزب الله إلى البقاء لفترة أطول في خلفية المشهد .
بشكل عام ، مستقبل لبنان ليس رهنا لانتخابات داخلية ، بقدر ما هو رهن لتطورات الحروب الإقليمية القائمة ، في سوريا والعراق واليمن ، والأخرى المحتملة ، وبدون أدنى شك إذا وقعت مواجهة بين إيران والكيان الصهيوني فإن لبنان سيكون ـ مع سوريا ـ ساحتها الأساسية ، ليدفع العرب من جديد ـ من دماء أبنائه ومقدراتهم ـ فاتورة الطموح الإيراني لإحياء امبراطوريته الحلم في الشرق.