الأخبار
صالح الصالحى
تطوير التعليم في متاهة!
وحي القلم

أغلي أمنية لكل إنسان هو أن يري ابنه أفضل منه في كل شيء.. وأن يحقق ما لم يستطع هو تحقيقه.
ونحن المصريين نقدس التعليم منذ آلاف السنين وحتي الآن.. ننفق كل ميزانيتنا بل نستدين ليتعلم أبناؤنا، آملين في أن يحققوا من الأحلام والطموحات الكثير والكثير.
وعلي الرغم من حالات الاحباط التي تسيطر علي الغالبية العظمي من التعليم ومخرجاته.. إلا أنه حتي الآن لم نصل لدرجة الإيمان بأن الحرفة هي الأفضل علي الرغم من حملات الترويج الحكومية.. التي تروج للشباب المتعلمين الاتجاه إلي مجال الحرفة لايجاد فرصة عمل.. والحصول علي أموال من ورائها..
الحكومة نفسها فشلت في توفير تعليم فني محترم يجذب إليه الطلاب ويشجعهم علي الالتحاق به..
الحقيقة أن أغنياء هذا المجتمع هم الذين استطاعوا أن يعرفوا طريقهم لتعليم أبنائهم.. هاربين من عذاب الثانوية العامة.. متمتعين بمزايا دخول الجامعة من أوسع الأبواب أن كانت النتيجة واحدة، الكل يقف في طابور العاطلين.
أحمد الله أن هذا المجتمع لم يفقد حتي الآن إيمانه بأهمية التعليم، فتجد أبسط الناس مثل أغناهم، الجميع يدور في ساقية واحدة لتوفير نفقات التعليم لتوفير نفقات المدرس الخصوصي.. الذي يستطيع أن يفك الشفرة بين الامتحان والمنهج الدراسي.. فهناك شفرات وطلاسم بين المنهج والامتحان تزداد تعقيداً في ظل غياب حقيقي للمدرس والمدرسة.. فانتعشت السناتر في كل مراحل التعليم، وغاب الطلاب مرغمين عن المدارس.. فهم مرتبطون بمواعيد للدروس الخصوصية منذ الصباح الباكر.. وفي ظل هذه الأجواء اختفت صورة المدرسة وهيبتها، وضاعت سلوكيات وأدبيات كان يتعلمها الطفل في اندماجه في منظومة تربوية.. هذه المنظومة أصبح لا وجود لها.. فالطفل وأبوه يلهثان وراء المدرس، يطاردانه علي التليفون خوفاً من الرسوب في الامتحان.
جو مخيف نعيشه جميعا.. ولكنه طريق أجبرنا جميعاً علي المضي فيه لنخلص في النهاية للالتحاق بجامعة حكومية.. أصبح حلم الوصول لكلية محترمة فيها مقرون بمجموع لا يقل عن 98٪ أو الذهاب للجامعات الخاصة ذات الاعداد المحدودة والمصروفات الضخمة.. ووسط كل هذه الأجواء يتسرب أبناء المهمشين الذين لا يستطيعون التواصل لأكثر من الصف السادس الابتدائي.. وبعد إلغاء امتحان الشهادة بها يمكن أن يمرروا حتي الصف الثاني الإعدادي إلا أنهم لن يستطيعوا أن يحصلوا علي الشهادة الإعدادية.
وخلال هذه الرحلة يأتي وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي ليعلن علي مدار أكثر من عام أنه يقدم لنا حلولاً لمشاكل التعليم المزمنة.. إلا أن هذه الحلول علي ما يبدو تحمل الرحمة في ظاهرها ولكن العذاب يكمن في باطنها.
للأمانة تحمست كثيراً بعد لقائي بالوزير منذ عدة شهور لشرح طبيعة تطوير العملية التعليمية.
وكيف سيقضي علي الدروس الخصوصية.. وكيف سيلغي الكتاب المدرسي الذي لم تعد له ضرورة في ظل بنك المعرفة.. والأهم كيف سيلغي شهادة الثانوية العامة بعبع كل البيوت.. وكيف سنحصل علي مخرج لطالب محترم ينافس كل أقرانه علي مستوي العالم.. وتستعيد مصر مكانتها وريادتها العلمية عالمياً.. فجأة تاه الوزير المحترم في متاهة التطوير.. حيث يكمن الشيطان في التفاصيل.. ويدخل الوزير في مبارزات مع أولياء الأمور.. وتعلو كلمة لا تراجع عن تطبيق هذا النظام الجديد..
ويختصر المشهد في عدم تدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية ليدرسها الطالب في المرحلة الإعدادية، بعد دراسته لها بالعربية.. وبدلا من توحيد النظام التعليمي في بوتقة واحدة.. يخرج التعليم الخاص والدولي من التطوير.. ويفوز مرة أخري من يملك الالتفاف علي هذا التطوير.. ويظل من يملك الانفاق علي أولاده في التعليم قبل الجامعي والجامعي هو المستفيد.. والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا لا يكون الكل سواسية في تعليم وطني واحد؟.. علي الرغم من أنني لست من أنصار تعليم الطفل الحساب والعلوم بلغة ثم الانتقال لتعلمها بلغة أخري.. لأن هذا يثقل كاهل الطالب.. ويضع عليه حملاً أتصور أنه سوف يخلق مشاكل كثيرة خاصة وأن هذه المواد يتم تعليمها باللغة الإنجليزية علي مستوي العالم كله.. ولماذا يخضع أبنائنا لعمليات التجريب المستمرة؟.. ولماذا لا يكون لدينا نظام واحد ثم اختياره بنجاح ونطبقه دون لمساتنا التي تفسده وتصيبه بالترقيع قبل أن يبدأ تطبيقه.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف