>> الأيام فعلاً لا تتغير، وإنما البشر هم الذين يتغيرون.. ربما كانت الظروف أكبر وأقوي من الإنسان، فغيرت ملامح أيامه.. ولكن المؤكد أن البني آدم نفسه، هو الذي قد يصنع الظروف، وسواء كان مسئولاً عنها، وغالباً غير مسئول.. تظل الأيام بريئة من أفعال.. أو بعض أفعال هذا الإنسان.
ربما يري البعض في كلامي.. أنه تخاريف صيام.. وحتي هذه الجملة أيضاً.. ليس لها معني، لأن الصيام ليس له تخاريف!
>> كلما هلّ علينا شهر رمضان.. يجد الكثيرون أنفسهم وقد عادوا سنوات إلي الوراء، ليعيشوا مع الذكريات، وإذا سألت طبيباً نفسياً أو باحثاً في الفلسفة أو علم النفس.. لماذا يفضل المرء العودة إلي الماضي، دون أن يستغرق في الحاضر، ستجد الإجابة موضوعية ومنطقية.
هذه الإجابة تقول إنه الهروب الآمن من واقع يكاد يكون مؤلماً.. حينئذ يشعر الإنسان بالطمأنينة إلي أن الدنيا كانت بخير، ومن الممكن أن تعود بخير.. وبما أن الأيام لم تتغير وإنما الذي تغير هو الإنسان، فمن الممكن إذن أن يعود الإنسان أولاً.. حتي تعود حلاوة الأيام.
>> من سنوات طويلة.. قبل أن يدخل التليفزيون إلي مصر المحروسة، وتحديداً في النصف الأول من الستينيات وكنت طفلاً صغيراً.. كانت متعة رمضان في الإذاعة.
كانت الأسرة المصرية تستمتع بما تقدمه المحطات الإذاعية من مسلسلات وفوازير وبرامج وقصص من القرآن الكريم.
المسلسلات معظمها فكاهية راقية لفؤاد المهندس ومحمد رضا ونجوم الكوميديا المشاهير.. والدراما هادفة ومحترمة ويشارك في تقديمها كبار الأدباء نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف إدريس وغيرهم، ويؤديها بالتمثيل أشهر العمالقة عبدالحليم حافظ وفاتن حمامة وشادية وفريد شوقي.. كلهم.
ولأنه لم يكن هناك تليفزيون، كانت الأسرة كلها تجتمع حول جهاز الراديو.. يتحدثون، ويتناقشون، ويضحكون، ويسهرون.. وكما كانوا وحدة واحدة علي مائدة الإفطار.. يجلسون معاً لتناول طعام السحور.
أجواء رمضانية.. روحانية.. أسرية.. عائلية.. يساهم في تدعيمها وتقويتها إعلام له أهداف.
كلما تذكرت هذا.. أحزن!
اليوم.. لم يعد للإذاعة هذا الدور الريادي.. الفضائيات زحفت بقوة.. فكثرت المسلسلات »الهلس» التي لا تصنع إنساناً سوياً، وزادت معدلات »الهيافة» في الدراما بعدما انحدر الذوق، وانعدم الاحترام، وبات واضحاً أن المكسب يتضاعف كلما انتشرت رقعة »الأونطة» ومخاطبة الغرائز والشهوات.
لم تعد أجواء رمضانية.. والسبب ليس الأيام المظلومة.. وإنما الإنسان المجرم الذي قد يتحرك من قاعدة جهل.. أو مدفوعاً لتخريب وجدان المواطن.
الناس بلا وجدان، هو كيان »مخوخ» من الداخل.. يعني »أهبل وفاضي».
من الممتع أن تعود لذكرياتك بعض الوقت، ولكن الكارثة أن تعيش طويلاً علي هذه الذكريات.. تبقي مصيبة لو كلها ذكريات!
>> ربما كان للأطفال الذين أصبحوا اليوم أولياء أمور أو جدود ذكريات وأياماً حلوة، يتحدثون عنها.. أخشي علي جيل يعيش الآن من ألا يجد شيئاً يتحدث عنه أو يتذكره غير أغنية هايفة أو فيلم من إنتاج السبكي.
>> أكبر دليل علي أن الدهن في العتاقي.. وأن زمن الفن الجميل ذهب وولي.. أنك لا تشعر ببهجة رمضان إلا عبر عبدالمطلب برمضان جانا، وبكل الأغنيات القديمة التي غنت للشهر الكريم، وعندما يقترب العيد لن تبتسم إلا مع أم كلثوم وأغنية يا ليلة العيد.
أليست العودة إلي الذكريات مطلوبة أحياناً.. نعم مطلوبة.. ولكن ألا تهرب إلي ذكرياتك.. وتنسي أن لك مستقبلاً لابد أن تقاتل لأجله.
> > >
مسلسلات رمضان.. وبرامج المقالب »البلموطي».. هزمت الدوري الممتاز بالقاضية.. هي دي الحضارة!