فى مواجهة أى أزمة لا بد أن يكون لديك أكثر من سيناريو للتعامل معها طبقاً لمتقضيات الأحداث. على مدار الأشهر الماضية خرجت وزارة الخارجية أكثر من مرة تعلن تعثر وأحياناً فشل المفاوضات التى تجريها مصر مع كل من إثيوبيا والسودان حول سد النهضة. آخرها كان ما صرح به وزير الخارجية سامح شكرى يوم الاثنين الماضى من عدم وصول اجتماع (5 مايو) بين وزراء الرى إلى شىء. والسؤل هل يمكن أن نتوقع جديداً من جولة مفاوضات 15 مايو بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا؟
لا أظن أن ثمة جديداً يمكن أن ننتظره من الطرف الإثيوبى. فمنذ البداية وهو يدير بسياسة «فرض الأمر الواقع»، وهو يؤدى على هذا النحو منذ وضع حجر أساس بناء السد وحتى تم إنجاز 66% من مبناه كما أعلن منذ بضعة أيام. لم تزل فترة الملء، وغيرها من التفاصيل الفنية، محل أخذ ورد بين مصر وإثيوبيا. الموقف السودانى واضح، فقد ظل يراوغ حتى قرر حسم موقفه وإعلان أنه يقف فى صف إثيوبيا. جزء من حد قدرة مصر على تحقيق أهدافها من التفاوض يرتبط بأن يد السودان علينا وليست لنا. وأسباب ذلك كثيرة، بعضها تاريخى وبعضها حالى، لكن فى كل الأحوال علينا أن نعترف أن السودان يلعب ضدنا، وأننا لم نفلح فى شده إلى صفنا، ويبدو أننا أصبحنا نتقبل الأداء السودانى كأمر واقع. ومن بوابة الأمر الواقع أيضاً بدأنا فى اتخاذ إجراءات وسن قوانين لتحجيم مساحة الأرض التى يتم زراعتها بمحاصيل شرهة للماء مثل الأرز، بالإضافة إلى الأحاديث المتداولة عن ترشيد استخدام المياه، والمحافظة على كل قطرة ماء، والبحث عن مصادر أخرى للمياه بعيداً عن مياه النيل.
من الأمور الواقعة أيضاً أننا لا نعرف على وجه التحديد السيناريوهات البديلة التى وضعتها الحكومة المصرية حال توقف المفاوضات ووصولها إلى «حيطة سد».. هل سيتم الاستعانة بوساطة دولية.. هل ستمارس قوى دولية (دول أو مؤسسات) ضغوطاً من نوع ما على الطرف الإثيوبى حتى يصل إلى صيغة تفاهم ترضى جميع الأطراف.. هل ستبحث الدولة عن مسارات أخرى غير التفاوض؟
نحن لا نعلم شيئاً، ونقدر فى الوقت نفسه أن ثمة أموراً يجب ألا تطرح فى العلن.. المهم أن تكون هناك حلول ومسارات بديلة بعد أن وصلت المفاوضات إلى هذه المرحلة وبلغ السد الإثيوبى هذا الارتفاع.
مؤكد أن هناك تأثيرات سلبية للسد على المستقبل المائى لمصر، والأكثر تأكيداً أننا لا نعرف على وجه التحديد حجم هذه التأثيرات. والمشكلة أن غياب المعلومات يجعل الناس نهباً لأحاديث غير دقيقة تعتمد على المبالغة والشطط فى وصف الآثار الناجمة عن ملء السد خلال مدة 3 سنوات، كما تعتزم إثيوبيا. هذا الأمر لا بد أن تأخذه الحكومة فى الاعتبار، وألا تترك الواقع نفسه ليتحدث أو يكشف عن حجم التأثيرات. الأداء الجيد قادر على هزيمة «الأمر الواقع»!