الوطن
د. محمود خليل
المطبعاتية
أصحاب نظرية «الواقعية السياسية» لا يرون غضاضة فى قيام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة بتنظيم احتفال بفندق يطل على نيل مصر وعلى مقربة من ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض، بمناسبة الذكرى السبعين لإقامة الدولة العبرية. يقولون لك إننا مرتبطون بمعاهدة سلام رسمية مع إسرائيل منذ العام 1979، وينعتون منتقديهم بالجهل وعدم إدراك الحقائق الشاخصة على الأرض. ورمى المنتقدين بالجهل أصبحت التهمة الجديدة، الرائجة فى الأسواق هذه الأيام، بعد أن استهلكت تهمة «التخوين» أهدافها، ولم تعد «تاكل مع الناس».

الإنسان الطبيعى يكره الحرب ويحب السلام، لكن السلام لا يختلف عن الحب، إذ لا يصح ولا يجوز أن يكون من طرف واحد. الحب من طرف واحد عذاب ويحمل عواقب سيئة على صاحبه. منذ توقيع المعاهدة ونحن نمارس السلام مع إسرائيل من طرف واحد، السلام من ناحية مصر، أما إسرائيل فترتع فى المنطقة كما تشاء. على مدار ما يقرب من 40 عاماً تعددت المواقف التى هددت فيها إسرائيل الأمن القومى المصرى عبر غزة. كان الراحل عمر سليمان -كما أكد قيادى بـ«فتح»- يعتبر قضية غزة وفلسطين واحدة من القضايا التى تتصدر أجندة الأمن القومى المصرى. طيلة العقود الأربعة وإسرائيل تعبث فى أفريقيا، وليس ملف سد النهضة الإثيوبى منها ببعيد! ونهبت غاز مصر عبر اتفاقية تصدير الغاز التى حكم القضاء الإدارى بإيقافها. إسرائيل فعلت الكثير فيما يتعلق بمصر خلال مرحلة السلام، أما ما فعلته بالمنطقة فحدث ولا حرج. وأخشى أن أقول إن ما حققته إسرائيل من مصر بعد عقد اتفاقية السلام أكبر مما حققته عبر الحروب العدوانية التى خاضتها ضدنا. المكسب الأهم الذى ربحناه من توقيع اتفاقية السلام تمثل فى استرداد سيناء، وتحرير كامل أرضنا، لكن الكل يعلم أن تنظيم داعش الذى يتربص بجنودنا هناك يحتفظ بعلاقة من نوع ما مع إسرائيل وأجهزتها، وإلا بماذا نفسر عدم قيامه بأى عملية ضدها؟!

من حق من أراد التطبيع أن يفعل ما يريد، وأن يدافع عن وجهة نظره كيفما شاء، ولا بأس أن يعلن عن مشاركته لإسرائيل فرحتها واحتفالها بتأسيس دولتها على أراضى الغير، بل وأجد ذلك من الشجاعة الأدبية، المرحوم على سالم على سبيل المثال لم يكن يتردد فى أن يعلن دفاعه عن التطبيع على ملأ من الناس. من زمّر فى الاحتفال بالذكرى السبعين لدولة الاحتلال عليه ألا يخفى «دقنه». أريد من هؤلاء أيضاً أن يتمسكوا بواقعيتهم السياسية ويحدثونا عن الفوائد التى جنيناها اقتصادياً وسياسياً عبر العقود الأربعة الماضية، بدلاً من شُغل «السماسرة» الذين يديرون أعمالهم فى السر.

ذكر تقرير نشره موقع «مصراوى» أن احتفال السفارة حضره حفنة من المسئولين المصريين ورجال الأعمال المغمورين! فليُرِح المطبعاتية أصحاب نظرية «الواقعية السياسية» أنفسهم ولا يضيعوا وقتهم الثمين، الذى يمكن أن يربحوا فيه الكثير، فى إقناع غيرهم بوجهة نظرهم، لأن الشعب له موقف خاص من مسألة التطبيع ما فتئ يعبر عنه طيلة السنوات الأربعين الماضية. كان غيرهم أشطر!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف