من منا لايحب مصر..؟ بلدى وموطنى وزادى وزوادى ودارى التى تحتضن آمالى وأحلامي.. وشمسى التى منحتنى سمارى وعمارى وقمرى.. وفرحى وسعدى.. ونيلى زارع الخير والحب والدفء والشبع فى الدور والصدور..
مازلت أذكر ذلك المذياع الخشبى الذى يشبه باب الجامع والمعلق فوق الرف بعيدا عن الأيدى فى غرفة الجلوس فى منزلنا فى شبين الكوم أيام الزمن الجميل.. والذى يجمعنا كل مساء على الحب والألفة والود والغناوى التى تصعد بأمانينا وأحلامنا إلى السماء السابعة.. بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وأسمهان وليلى مراد.. أجمل الأصوات فى سمع الزمن الجميل الذى حمل عزاله ورحل إلى عالم لا نعرفه وأناس لم نحظ بلقياهم..
أيامها سمعنا وطربنا وسعدنا بأشعار شاعر النيل حافظ ابراهيم وشدو أم كلثوم ولحن رياض السنباطى وقصيده اسمها: مصر تتحدث عن نفسها.. ماذا قالت مصر ياتري؟
لقد قالت بصوت أم كلثوم:
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
أنا إن قدر الاله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدي
إننى حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وحطمت قدي
وهذه الأغنيات الوطنية والأناشيد ـ كما يقول المؤرخ الموسيقى مصطفى عبدالرحمن الموسيقار ـ ما كانت تكاد تبصر النور حتى يحاول الحكام ومن ورائهم الانجليز وصولها إلى الأسماع لخوفهم من سلاحها البتار الذى كم أقض مضاجعهم كما حدث فى ثورة 1935 حينما اعتقلوا الموسيقار «مدحت عاصم»، وعطلوا أناشيده ونشيد أحمد خيرت الذى يحرض على الثورة والذى تقول كلماته:
بنى النيل هبو وكونوا يدا... وردوا عن النيل كيد العدا
وكثير من الأناشيد الثائرة أيها السادة كانت الشرارة التى أيقظت النائمين وأججت الشعور الوطنى قبل ثورة 1952التى حولت الوطن العرربى كله إلى ثورة عارمة ضد الحكام والمحتلين..
><>
وانطلقت الأغنية الوطنية لنردد كلنا مع أم كلثوم أشعار أحمد رامى وألحان السنباطي:
مصر التى فى خاطرى وفى فمي
أحبها من كل روحى ودمي
أحبها للموقف الجليل
من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة
لكل من فى أرضها
وثار فى وجه الطغاة
مناديا بحقها
وقال فى تاريخه المجيد
يا دولة الظلم امحى وبيدي
وهنا بدأ العصر الذهبى للأغنية الثورية، فقد كانت هذه الفترة ألمع فترة فى تاريخ الأغنية الوطنية، ولأول مرة فى تاريخنا تطغى الأغنية الوطنية على الأغنية العاطفية، ويترقب طلبها الجمهور الذى كان لايطرب ولا يهتز إلا للون العاطفى من الأغاني.
ولأول مرة ـ كما قلت فى كتابي: أيام فى القلب ـ نرى الجماهير تلتهب أكفها بالتصفيق لعبدالحليم حافظ الذى عاش فى أسماعنا منذ بدء الثورة حاملا لنا وقود ثورة مستعيدة ألحان الفنان الكبير كمال الطويل وكلمات صلاح جاهين:
قلنا حانبنى وادينا بنينا السد العالي
يااستعمار بنيناه بإيدينا.. السد العالي..
من أموالنا.. بإيد عمالنا..
هى الكلمة وادى إحنا بنينا..
إخوانى تسمعوا الحكاية..
بس قولها من البداية..
هى حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار..
شعب زاحف خطوته تولع شرار..
شعب كافح واتكتب له الانتصار..
ومن بعدها نظم صلاح جاهين ولحن الطويل وغنى عبدالحليم وغنت معهم مصر كلها:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان..
><>
وهنا نتوقف لنسجل أن الأغنية الوطنية قد استطاعت أن تجتذب قلوب الملايين من أبناء الوطن العربى كله وأن تشعلهم حماسة متقدة.
واستطاعت أم كلثوم ونجاة وشادية وفايزة وصباح من المطربات، وعبدالوهاب والطويل والأطرش والموجى والسنباطى والشريف وبليغ وصدقى وعبدالحق من الملحنين. وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وفتحى قورة وصلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى وأحمد شفيق كامل واسماعيل الحبروك من المؤلفين.. الذين أسهموا فى ترجمة مشاعر أبناء هذا الوطن إلى كلمات وأنغام وأن يقطعوا شوطا بعيدا .
والأناشيد فى هذه الفترة التى يختلط فيها السيف بغصن الزيتون علينا ألا ننسى هنا ماجاء بصحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية أيامها من أن أم كلثوم وعبدالوهاب سلاحان من أخطر أسلحة عبدالناصر.
نعم لقد كانت الأغنية الوطنية من أخطر أسلحة الكفاح، فقد اجتازت الحدود وضربت فى قلب العدو، وأرقت مضاجع الملوك والحكام الذين خرجوا على إرادة الشعوب العربية..
حلو الكلام؟
><>
مازلنا مع حديث الأغنية وحب الوطن.. وكما قلت فى كتابي: أيام فى القلب:
فجاء فى ظلام ليلة 31 من أكتوبر سنة 1956تحرك الاستعمار ليصب نار قنابله علينا، وضربت أساطيل إنجلترا وفرنسا وعميلتهما اسرائيل بورسعيد الباسلة فهبت الأغنية الوطنية مع الجيش والشعب لتحارب من أجل حقنا فى الحياة.. وغنى الشعب مع نجاح سلام: أنا النيل مقبرة للغزاة
وغنى الشعب مع فايدة كامل:
دع سمائى فسمائى محرقة.. وهذه أرضى أنا.. وأبى ضحى هنا..
وغنت مصر يومها مع أم كلثوم:
والله زمان ياسلاحى اشتقت لك فى كفاحي.. انطق وقول أنا صاحي.. ياحرب والله زمان..
وانطلقت صواعق تقذف بالحمم وهى تدوى بنشيد:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. لمحمود الشريف الذى أصبح نشيد مصر القومى قبل ظهور نشيد بلادى بلادي..
ولم تسكت الأغنية حتى انطلقت صيحة النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر سنة 1957 فرحنا نغنى كلنا بأعذب الألحان والأناشيد.. لمدينة السلام.. مدينة الرجال.. مدينة بورسعيد.. مع مأمون الشناوى وعبدالوهاب وعبدالحليم:
إنى ملكت فى يدى زمامي.. وانتصر الحق على الظلام.. وغردت حمامة السلام..
تصفيق حاد منى أنا هذه المرة.. ومن كل من يقرأ هذا الكلام!
><>
ولكن أين نحن الآن من هذا الحشد الجماعى للشعب المصرى حول أغنية يتبارى فيها أساطين النغم والشعر والتلحين والغناء؟
أين نحن من نشيد الوطن الأكبر الذى كان يغنيه: عبدالحليم + صباح + فايدة كامل + شادية + نجاة الصغيرة + وردة الجزائرية: والذى لحنه محمد عبدالوهاب وكتب كلماته أحمد شفيق كامل:
وطنى حبيبى الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكبر.. وانتصاراته مليا حياته.. وطنى بيكبر وبيتحرر..
أين نحن الآن من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطى وشدو نجاح سلام:
أنا النيل مقبرة للغزاة..
أنا الشعب نارى تبيد الطغاة..
ونزحف للنصر..
وأين نحن الآن من كلمات صلاح جاهين وصوت عبدالحليم حافظ:
بالأحضان ياحبيبتى يا أمي.
يابلادى ياغنيوة فى دمي..
على صدرك أرتاح من همى وبأمرك أشعلها نيران
بالأحضان يامصانع يامزارع
بالأحضان ياجناين يامداين..
بالأحضان ياللى انت بترفع راية السلم..
><>
القاعدة أيها السادة.. أن تحب مصر.. هكذا تعلمنا، وهكذا عشنا.. لم نقرأه فى صفحة الإرشادات فى كراسات ولكننا ولدنا وخلقنا كى نحب مصر..!
ولكن الذى جرى ايها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. كان يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..
وإذا لم تصدقوني.. تعالوا نقرأ ما كتبه المصرى أيام أن كان يصفونه فى كتاب التاريخ: انه صانع الحضارة حبا وتيمنا وتدلها وغراما عن تراب مصر ونيل مصر وشمس مصر:
أيها النيل أنت شريان قلوبنا..
أنت واهب الحياة لسنابل الحنطة فى الحقول..
أنت راسم الفرحة على وجه الطفل الصغير..
ياعازف الناى تحت شجرة التوت..
غن لنا موالا فى حب النيل والنخيل..
مصر هى أمي.. هى ضرعى وزرعي..
ومن يغضب أمى أو يمسسها بسوء فالويل له..
وبعد خمسين قرنا من الزمان.. تغير المصرى وتبدل حاله ومنواله.. أصبح أكثر جحودا ونكرانا للجميل..
ما الذى غيره..؟ ما الذى بدله..؟
هذه دعوة كى يعود المصرى إلى أحضان أمه مصر.. فهى فى انتظاره فى شوق ولهفة لعودة الابن الغائب.. ولا نقول الابن الضال!
آخر أغنية ترددت فى سمعنا وقلبنا فى حب مصر.. وتكاد تكون نسخة حديثة من أغنية سنوحى على شاطئ النيل قبل أربعين قرنا.. من الزمان.. غنتها الفنانة القديرة شادية قبل نحو أربعين عاما وتقول كلماتها التى كتبها العزيز الغالى مصطفى الضمراني:
مصر هى أمي.. نيلها هو دمي..
شمسها فى سماري.. شكلها فى ملامحي..
حتى لونى قمحي.. لون خيرك يامصر..
ما الذى تغير؟
الوطن أم الإنسان؟
مصر أم المصري؟
وجوابي: لم يتغير شئ..
المصرى هو المصري.. طال الزمان أو قصر.. ومن عنده كلام آخر فليتفضل! {
>> ولكن الذى جرى أيها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..>>
>> تعالوا نقلب معا صفحات كتاب فى حب مصر..
عزت السعدني
Email:asaadany@ahram.org.eg
H من منا لايحب مصر..؟ بلدى وموطنى وزادى وزوادى ودارى التى تحتضن آمالى وأحلامي.. وشمسى التى منحتنى سمارى وعمارى وقمرى.. وفرحى وسعدى.. ونيلى زارع الخير والحب والدفء والشبع فى الدور والصدور..
مازلت أذكر ذلك المذياع الخشبى الذى يشبه باب الجامع والمعلق فوق الرف بعيدا عن الأيدى فى غرفة الجلوس فى منزلنا فى شبين الكوم أيام الزمن الجميل.. والذى يجمعنا كل مساء على الحب والألفة والود والغناوى التى تصعد بأمانينا وأحلامنا إلى السماء السابعة.. بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وأسمهان وليلى مراد.. أجمل الأصوات فى سمع الزمن الجميل الذى حمل عزاله ورحل إلى عالم لا نعرفه وأناس لم نحظ بلقياهم..
أيامها سمعنا وطربنا وسعدنا بأشعار شاعر النيل حافظ ابراهيم وشدو أم كلثوم ولحن رياض السنباطى وقصيده اسمها: مصر تتحدث عن نفسها.. ماذا قالت مصر ياتري؟
لقد قالت بصوت أم كلثوم:
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
أنا إن قدر الاله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدي
إننى حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وحطمت قدي
وهذه الأغنيات الوطنية والأناشيد ـ كما يقول المؤرخ الموسيقى مصطفى عبدالرحمن الموسيقار ـ ما كانت تكاد تبصر النور حتى يحاول الحكام ومن ورائهم الانجليز وصولها إلى الأسماع لخوفهم من سلاحها البتار الذى كم أقض مضاجعهم كما حدث فى ثورة 1935 حينما اعتقلوا الموسيقار «مدحت عاصم»، وعطلوا أناشيده ونشيد أحمد خيرت الذى يحرض على الثورة والذى تقول كلماته:
بنى النيل هبو وكونوا يدا... وردوا عن النيل كيد العدا
وكثير من الأناشيد الثائرة أيها السادة كانت الشرارة التى أيقظت النائمين وأججت الشعور الوطنى قبل ثورة 1952التى حولت الوطن العرربى كله إلى ثورة عارمة ضد الحكام والمحتلين..
><>
وانطلقت الأغنية الوطنية لنردد كلنا مع أم كلثوم أشعار أحمد رامى وألحان السنباطي:
مصر التى فى خاطرى وفى فمي
أحبها من كل روحى ودمي
أحبها للموقف الجليل
من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة
لكل من فى أرضها
وثار فى وجه الطغاة
مناديا بحقها
وقال فى تاريخه المجيد
يا دولة الظلم امحى وبيدي
وهنا بدأ العصر الذهبى للأغنية الثورية، فقد كانت هذه الفترة ألمع فترة فى تاريخ الأغنية الوطنية، ولأول مرة فى تاريخنا تطغى الأغنية الوطنية على الأغنية العاطفية، ويترقب طلبها الجمهور الذى كان لايطرب ولا يهتز إلا للون العاطفى من الأغاني.
ولأول مرة ـ كما قلت فى كتابي: أيام فى القلب ـ نرى الجماهير تلتهب أكفها بالتصفيق لعبدالحليم حافظ الذى عاش فى أسماعنا منذ بدء الثورة حاملا لنا وقود ثورة مستعيدة ألحان الفنان الكبير كمال الطويل وكلمات صلاح جاهين:
قلنا حانبنى وادينا بنينا السد العالي
يااستعمار بنيناه بإيدينا.. السد العالي..
من أموالنا.. بإيد عمالنا..
هى الكلمة وادى إحنا بنينا..
إخوانى تسمعوا الحكاية..
بس قولها من البداية..
هى حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار..
شعب زاحف خطوته تولع شرار..
شعب كافح واتكتب له الانتصار..
ومن بعدها نظم صلاح جاهين ولحن الطويل وغنى عبدالحليم وغنت معهم مصر كلها:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان..
><>
وهنا نتوقف لنسجل أن الأغنية الوطنية قد استطاعت أن تجتذب قلوب الملايين من أبناء الوطن العربى كله وأن تشعلهم حماسة متقدة.
واستطاعت أم كلثوم ونجاة وشادية وفايزة وصباح من المطربات، وعبدالوهاب والطويل والأطرش والموجى والسنباطى والشريف وبليغ وصدقى وعبدالحق من الملحنين. وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وفتحى قورة وصلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى وأحمد شفيق كامل واسماعيل الحبروك من المؤلفين.. الذين أسهموا فى ترجمة مشاعر أبناء هذا الوطن إلى كلمات وأنغام وأن يقطعوا شوطا بعيدا .
والأناشيد فى هذه الفترة التى يختلط فيها السيف بغصن الزيتون علينا ألا ننسى هنا ماجاء بصحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية أيامها من أن أم كلثوم وعبدالوهاب سلاحان من أخطر أسلحة عبدالناصر.
نعم لقد كانت الأغنية الوطنية من أخطر أسلحة الكفاح، فقد اجتازت الحدود وضربت فى قلب العدو، وأرقت مضاجع الملوك والحكام الذين خرجوا على إرادة الشعوب العربية..
حلو الكلام؟
><>
مازلنا مع حديث الأغنية وحب الوطن.. وكما قلت فى كتابي: أيام فى القلب:
فجاء فى ظلام ليلة 31 من أكتوبر سنة 1956تحرك الاستعمار ليصب نار قنابله علينا، وضربت أساطيل إنجلترا وفرنسا وعميلتهما اسرائيل بورسعيد الباسلة فهبت الأغنية الوطنية مع الجيش والشعب لتحارب من أجل حقنا فى الحياة.. وغنى الشعب مع نجاح سلام: أنا النيل مقبرة للغزاة
وغنى الشعب مع فايدة كامل:
دع سمائى فسمائى محرقة.. وهذه أرضى أنا.. وأبى ضحى هنا..
وغنت مصر يومها مع أم كلثوم:
والله زمان ياسلاحى اشتقت لك فى كفاحي.. انطق وقول أنا صاحي.. ياحرب والله زمان..
وانطلقت صواعق تقذف بالحمم وهى تدوى بنشيد:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. لمحمود الشريف الذى أصبح نشيد مصر القومى قبل ظهور نشيد بلادى بلادي..
ولم تسكت الأغنية حتى انطلقت صيحة النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر سنة 1957 فرحنا نغنى كلنا بأعذب الألحان والأناشيد.. لمدينة السلام.. مدينة الرجال.. مدينة بورسعيد.. مع مأمون الشناوى وعبدالوهاب وعبدالحليم:
إنى ملكت فى يدى زمامي.. وانتصر الحق على الظلام.. وغردت حمامة السلام..
تصفيق حاد منى أنا هذه المرة.. ومن كل من يقرأ هذا الكلام!
><>
ولكن أين نحن الآن من هذا الحشد الجماعى للشعب المصرى حول أغنية يتبارى فيها أساطين النغم والشعر والتلحين والغناء؟
أين نحن من نشيد الوطن الأكبر الذى كان يغنيه: عبدالحليم + صباح + فايدة كامل + شادية + نجاة الصغيرة + وردة الجزائرية: والذى لحنه محمد عبدالوهاب وكتب كلماته أحمد شفيق كامل:
وطنى حبيبى الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكبر.. وانتصاراته مليا حياته.. وطنى بيكبر وبيتحرر..
أين نحن الآن من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطى وشدو نجاح سلام:
أنا النيل مقبرة للغزاة..
أنا الشعب نارى تبيد الطغاة..
ونزحف للنصر..
وأين نحن الآن من كلمات صلاح جاهين وصوت عبدالحليم حافظ:
بالأحضان ياحبيبتى يا أمي.
يابلادى ياغنيوة فى دمي..
على صدرك أرتاح من همى وبأمرك أشعلها نيران
بالأحضان يامصانع يامزارع
بالأحضان ياجناين يامداين..
بالأحضان ياللى انت بترفع راية السلم..
><>
القاعدة أيها السادة.. أن تحب مصر.. هكذا تعلمنا، وهكذا عشنا.. لم نقرأه فى صفحة الإرشادات فى كراسات ولكننا ولدنا وخلقنا كى نحب مصر..!
ولكن الذى جرى ايها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. كان يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..
وإذا لم تصدقوني.. تعالوا نقرأ ما كتبه المصرى أيام أن كان يصفونه فى كتاب التاريخ: انه صانع الحضارة حبا وتيمنا وتدلها وغراما عن تراب مصر ونيل مصر وشمس مصر:
أيها النيل أنت شريان قلوبنا..
أنت واهب الحياة لسنابل الحنطة فى الحقول..
أنت راسم الفرحة على وجه الطفل الصغير..
ياعازف الناى تحت شجرة التوت..
غن لنا موالا فى حب النيل والنخيل..
مصر هى أمي.. هى ضرعى وزرعي..
ومن يغضب أمى أو يمسسها بسوء فالويل له..
وبعد خمسين قرنا من الزمان.. تغير المصرى وتبدل حاله ومنواله.. أصبح أكثر جحودا ونكرانا للجميل..
ما الذى غيره..؟ ما الذى بدله..؟
هذه دعوة كى يعود المصرى إلى أحضان أمه مصر.. فهى فى انتظاره فى شوق ولهفة لعودة الابن الغائب.. ولا نقول الابن الضال!
آخر أغنية ترددت فى سمعنا وقلبنا فى حب مصر.. وتكاد تكون نسخة حديثة من أغنية سنوحى على شاطئ النيل قبل أربعين قرنا.. من الزمان.. غنتها الفنانة القديرة شادية قبل نحو أربعين عاما وتقول كلماتها التى كتبها العزيز الغالى مصطفى الضمراني:
مصر هى أمي.. نيلها هو دمي..
شمسها فى سماري.. شكلها فى ملامحي..
حتى لونى قمحي.. لون خيرك يامصر..
ما الذى تغير؟
الوطن أم الإنسان؟
مصر أم المصري؟
وجوابي: لم يتغير شئ..
المصرى هو المصري.. طال الزمان أو قصر.. ومن عنده كلام آخر فليتفضل! {
>> ولكن الذى جرى أيها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..>>