د . أحمد عاطف
الإنسانية الغائبة فى مهرجان كان
ليست الانسانية مثل الانسان. فكلاهما يحمل نفس الاسم لكنهما متضادان. الانسان يستطيع القتل بدم بارد ويستطيع البكاء كطفل. أما الانسانية فهى المثل الأعلى الذى يتمناه الانسان. مهرجان كان السينمائى الدولى فرصة عظيمة لقياس ترمومتر الانسانية فى عدد كبير من بلاد العالم.
ومن أهم الافلام التى طرحت تلك الاشكالية الفيلم المصرى «يوم الدين» للمخرج أبو بكر شوقى الذى نال المجد باختياره المشاركة فى المسابقة الرسمية. والفيلم مفاجأة بكل المقاييس لأنه يقدم حساسية سينمائية جديدة وطازجة فى الطرح. يتابع الفيلم قصة روحين انسانيتين وحيدتين وبسيطتين تنشدان الحب والحياة بسلام. بطل الفيلم رجل سعيد وبسيط يحمل اسم بشاى، آثار مرض الجزام ظاهرة عليه، يعمل فى احد مقالب الزبالة المنتشرة فى احياء القاهرة البعيدة . ويقيم فى مستعمرة الجزام التى يحبه الجميع فيها. مما يؤكد ان كل روح لها وليف فى الكون. صديقه طفل فى العاشرة من عمره اسم شهرته اوباما مقيم بدار للايتام على مقربة من المستعمرة. تموت ايرينى زوجه بشاى المصابة هى الاخرى بالجذام وبمرض نفسي. ويدفن زوجته بمشاركة اصدقائه. يشعر بشاى بالوحدة فيقرر البحث عن اسرته مسلحا بأمل كالفولاذ، يرحل بشاى على سيارته الكارو وبحماره الهزيل الى قريته بمحافظة قنا. رحلة تبدو مجنونة لكنها منطقية لرجل ليس لديه ما يخسره. يلتصق الطفل ببشاى ويصر ان يرحل معه. يصلان إلى نهر النيل كأنه الحل الذى يمنحهما البقاء. ثم يصاب الطفل وهما يصلحان السيارة الكارو فيهرع به بشاى الى احد المستوصفات فى قرية قريبة فتطرده الممرضات فزعا. ويخرج ليقبض عليه ضابط يمر بالبوكس. ثم يسجن مع شخص ملتح اقرب لأعضاء الجماعات المتطرفة يستطيع تهريبه. يستعيد بشاى الطفل ولكن حمارهما يموت فينهارا بكاء. يركبان قطارا فيتعرضان للضرب من الكمسارى والركاب عندما لا يدفعان التذكرة. ثم يصلان لاحدى مدن الصعيد وهما على وشك الموت بسبب عدم الاكل والراحة. يتعرفان على رجل مقطوع الارجل فيعطف عليهما ويأخذهما لاحدى الخرابات التى يعيش فيها مع بعض المعوقين مثله. أحد الاقزام يقول له بأسلوب مباشر غير مستحب فنيا إنهم منبوذون وهم ضحايا حوادث شباب اغنياء لفظهم فيها المجتمع. هذه المجموعة تساعد بشاى والطفل لتوصيلهما الى قريتهما. يصلان هناك ويخاف بشاى من مواجهة أسرته. فيذهب أوباما لاستطلاع الامر فيتهرب شقيق بشاي. فيقررا العودة لمصر، وفى الطريق يقررا الدخول لاحد المساجد للراحة قليلا. يشعر شقيق بشاى بالندم ويعود للطفل ليتأكد منه ان بيشوى شفى من الجذام وانه غير معد ويستعيده للمنزل.
وهناك يقابل أباه الذى أصيب بالجلطة، ويعاتبه بشاى فيرد الاب بأنه وضعه فى المستعمرة وتركه هناك لكى يكون فى وسط اناس مثله ولا يتعرض للاضطهاد فى العالم العادي. شخصية راضى جمال بطل الفيلم الذى يلعب دور بشاى هى القوة الضاربة لانه روح انسانية جميلة ومتصالحة مع الدنيا. والمعنى الانسانى اقوى مما يمكن. وقد اكسبت حرفة المخرج الفيلم الكثير من المصداقية لقبول منطق الشخصيات. وجاء السرد الفيلمى واعيا ومتمهلا ومركزا على المشاعر السينمائية، دون فقد بوصلة الايقاع السينمائى المشوق. حتى احلام وكوابيس بشاى جاءت فى اماكن دقيقة تثرى المشاعر. وربما اضعف ما فى الفيلم الرموز والايحاءات التى سخفت من الشحنة الانسانية العظيمة .مثل ان يكون الطفل اسمه اوباما والحمار اسمه حربى، وإساءة استخدام الحديث النبوى «فر من المجذوم»، والتلسين على معاناة المسيحيين والنوبيين بجمل طائشة بدلا من اى معالجة رصينة لمشاكلهم. ولا اعرف لماذا يحتاج مخرج موهوب لمثل هذا وهو الذى يحمل هما انسانيا محترما. الاغلب انها قلة الخبرة فهو فى عمر 32. او شىء من الادعاء فى طرحه السينمائي. ينتهى الفيلم بمعان انسانية عظيمة تلومنا على ايذائنا الضعفاء وتدعونا للمحبة؛ لكن مع تفسير الفيلم لعنوانه بشكل ساذج ومباشر عندما يذكر صديق البطل اننا نعيش على امل ان يكون كل الناس سواسية يوم الدين.