عبد الغفار شكر
وترجل الفارس النبيل خالد محيى الدين
ترجل الفارس النبيل خالد محيى الدين بعد أداء واجبه الوطنى لأكثر من 60 عاما ،مارس خلالها نشاطا متعدد الجوانب ثوريا وسياسيا وإنسانيا، مصريا وعربيا ودوليا واكتسب سمعة قلما ان يباريه أحد فيها. وقد امتلأت الصحف المصرية والعربية والدولية خلال الأيام القليلة الماضية بمقالات تتناول الجوانب المتعددة من شخصيته ونضاله وقامت الدولة بما يستحقه من تكريم كواحد من أبرز القيادات الوطنية بالجنازة العسكرية التى تقدمها رئيس الجمهورية وكبار المسئولين وممثلون لكل التيارات والفئات سواء كانوا متفقين أو مختلفين مع توجهاته السياسية وذلك احتراما وتقديرا لما قام به تجاه وطنه وشعبه وعروبته والإنسانية جمعاء. ورغم كثرة ما كتب عنه ورغم تعدد الزوايا التى تناولوها فى رثائه إلا انه يبقى جانب مهم من شخصية خالد محيى الدين لم يتناوله أحد رغم أهميته الفائقة، ربما لأن الجيل الذى عاصر هذا الجانب من شخصيته قد رحل عن دنيانا واعنى بذلك الجانب دوره كرئيس لأول حزب اشتراكى علنى فى مصر وهو حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى (1976). وقد عاصرته منذ تأسيس هذا الحزب حتى تقاعده، لمدة تزيد على 30 عاما فى عمل شبه يومى كعضو فى القيادة المركزية للحزب وأتيح لى بذلك التعرف على هذا الجانب الذى لم يتناوله احد حتى الآن فقد اعلن الرئيس انور السادات الاخذ بنوع من التعددية الحزبية المقيدة التى تقوم على حزب كبير يتولى الحكم بصفة دائمة والى جواره حزبان صغيران، احدهما لليسار والآخر لليمين لا يسمح لهما بالنمو الى الدرجة التى تمكنهما من تداول السلطة مع الحزب الحاكم. هكذا نشأ حزب مصر العربى الاشتراكى والى جواره حزب يمينى اتخذ اسم حزب الاحرار الاشتراكيين وحزب يسارى اتخذ اسم حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى الذى رأسه خالد محيى الدين.
خالد محيى الدين ورفاقه قرروا أن يكون حزب التجمع لكل أطياف اليسار، ولأن السادات كان قد التقى سبعة قيادات انضموا الى حزب التجمع وكانوا موالين له فقد نصحهم بان يصروا على ان يكون حزب التجمع ماركسيا صرفا وخاض خالد محيى الدين معركة شرسة ضد هذا التوجه مصرا على ان يكون حزب التجمع لكل اقسام اليسار المصرى وسانده فى ذلك كبار القادة الماركسيين أنفسهم «فؤاد مرسى» و«اسماعيل صبرى عبدالله» وابوسيف يوسف و«رفعت السعيد» و«لطفى الخولى» و«محمد سيد احمد» وغيرهم. ورغم أن الطرف الآخر كان يضم شخصيات كبيرة فإنهم هزموا فى هذه المعركة ومن هنا اتخذ الحزب اسم التجمع تعبيرا عن هذه الحقيقة. فبالإضافة الى هؤلاء القادة الماركسيين ضمت قيادة الحزب الدكتور ميلاد حنا عن الاشتراكيين الديمقراطيين وسيد كمال رفعت عن الاشتراكيين القوميين الناصريين والشيخ مصطفى عاصى عن الاسلاميين المستنيرين وغيرهم كثيرون. وبهذه الصيغة التجمعية التى احتوت كل اطياف اليسار المصرى انضم الى التجمع خلال أيام آلاف الاعضاء من كل هذه التوجهات ينتشرون فى كل محافظات الجمهورية ويوجدون فى العديد من القرى مما أعطى للتجمع بعدا شعبيا هائلا، حيث إن أغلبية أعضائه كانوا من العمال والفلاحين والشباب والفئات الوسطى وكبار المثقفين والمناضلين النقابيين والتعاونيين والمرأة العاملة المعروفين للشعب المصرى ويناضلون من آجل مصالحه فى المدن والقرى. وهناك جانب آخر فى شخصية خالد محيى الدين برز بشكل واضح فى تجربة حزب التجمع وهو حرصه الشديد على ان يتخذ التجمع طابعا مؤسسيا ويتجنب النزعة الفردية للقيادة، فالحزب يتكون من هيئات تبدأ من الوحدة الاساسية الى اللجنة المركزية والأمانة العامة والمكتب السياسى والقيادة فى كل هذه الهيئات جماعية يؤخذ فيها القرار بالأغلبية التى تخضع لها الأقلية وقبل خالد محيى الدين أن يكون عضوا فى هذه الهيئات رغم شعبيته الطاغية وتأثيره الكبير فى أعضاء الحزب وجماهيره وكان يقبل أن يكون فى الأقلية دون تذمر إيمانا منه بهذه القيم الديمقراطية داخل كيان يقوم على المؤسسية. وهناك جانب ثالث فى شخصية خالد محيى الدين وهو ايمانه بأنه لا أحد فوق الحساب وقد تجلى هذا الموقف عندما تقدم الاستاذ ابوسيف يوسف بشكوى ضد احد قيادات الحزب المقربين للأستاذ خالد محيى الدين وتشكلت لجنة تحقيق استمعت إلى كل الاطراف واتخذت قرارها الذى عرض على الامانة العامة وطبق القرار. هذه جوانب ثلاثة من شخصية خالد محيى الدين لم يتحدث عنها احد رغم اهميتها الشديدة فى الحياة العامة ودورها فى تعزيز الحياة الديمقراطية داخل الاحزاب وانعكاس ذلك على سائر مؤسسات المجتمع. هكذا كان خالد محيى الدين مثالا وقدوة لزملائه وللشباب الذين ارتبطوا بالحزب منذ نشأته والذين يتولون الآن قيادته ويواصلون مسيرة الحزب. رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.