يحيي علي
صباح جديد .. دموع ساخنة.. علي الأيدي الناعمة
شاهدتها تهرول يميناً ويساراً.. تجوب عيناها المكان.. بملابسها المهندمة.. ظللنا جميعاً نتابعها.. وترددنا في سؤالها عما تبحث وماذا فقدت.. وعندما لاحظت أن بريق أعيننا يطاردها في اندهاش.. قالت من فضلكم أريد أقرب دورة مياه.. أنا مريضة سكر.. وأبحث عن دورة مياه لأقضي حاجتي.. تلفتنا يميناً ويساراً ونحن في شارع رئيسي شهير في قلب العاصمة فلم نجد أي دورة مياه.. أسرعنا بالسيدة الفاضلة وهي تنقل قدميها بالكاد وقد احمر وجهها من فرط تحكمها في نفسها.. إلي محطة مترو قريبة من المكان فإذا بدورة المياه الموجودة بالمحطة مغلقة بالضبة والمفتاح.. أين المفتاح.. وكيف نغلق دورة مياه عمومية بمحطة مترو يستقله الملايين يومياً.. وماذا لو قصد أحد الركاب دورة المياه.. أو كانت سيدة مريضة أو شيخ مسن في حاجة إلي الدورة.. بينما نحن نبحث عن مسئول بمحطة المترو.. كانت دموع السيدة تنهمر علي وجنتيها.. بينما تبلل جوربها.. وانزوت في ركن بعيد.. بينما تسابقنا في الابتعاد عنها حفظاً لماء الوجه وعدم جرح المشاعر.
***
ان دولة صاحبة حضارة عريقة.. لا يليق أن يخلو شارع أو ميدان من دورة مياه نظيفة تكون ملاذاً لمريض أو صاحب حاجة.. وفي الدول الأوروبية في كل الشوارع والميادين بل كل مائة متر تجد دورة مياه حضارية نظيفة.. ومن الملاحظات التي أبداها وفد الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" عندما تقدمنا بملف استضافة المونديال في 2010 عدم سيولة المرور وعدم وجود دورات مياه في الشوارع والميادين الرئيسية.
***
أما الأغرب والأعجب لدينا.. وبدلاً من مساءلة أو محاكمة أي مسئول في الحي أو المدينة عن عدم وجود دورات مياه في الشوارع والميادين أو فتح الدورات بمحطات المترو.. نجد أن من يقضي حاجته في الشارع يمكن أن يتعرض لعقوبة ارتكاب فعل فاضح يخدش الحياء.. وتنص المادة "278" من قانون العقوبات علي كل من فعل علانية فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد علي خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين.
***
من هنا يجب أن يكون هناك مادة في قانون العقوبات تنص أيضا أن أي رئيس حي تخلو الشوارع أو الميادين في نطاقه من دورات مياه عمومية تكون متاحة وصالحة للاستخدام يعاقب بالحبس والغرامة.. ويعاقب أي مسئول بمحطات المترو إذا كانت دورات المياه مغلقة فهي ليست لموظفي المحطة فقط وإنما للركاب الذين يمثلون الدخل الأساسي للمترو وهم الذين يدفعون من مالهم رواتب العاملين بالمترو وهم الأولي باستخدام دورات المياه بالمحطات.
***
وبعيداً عن قوانين العقوبات.. أين الجانب الإنساني.. في شخص يريد أن يقضي حاجته حتي لو لم يكن مريضاً أو مسناً.. كيف تقفل في وجهه دورة مياه عمومية.. وكيف لحي لا يوفر دورات مياه عمومية في نطاقه؟!
وإذا تجاوزنا الجانب الإنساني فإن أبسط حقوق الإنسان أن يجد دورة مياه نظيفة في كل مكان وليس في الشوارع والميادين الرئيسية فقط!!