ماجد حبته
تضامنوا مع ابن الشر.. شوحة!
قادتني الصدفة، أو حظِّي السيئ، إلى مشاهدة فيديو لفتاة سافلة، منحطة، أو شر...شوحة، بدا أنها غير متزنة نفسيًا، تقوم فيه بسبّ البلد كله، بما فيه ومن فيه، والمجتمع والناس، بزعم أنها انتظرت عدة ساعات بأحد البنوك، لتفعيل بطاقة الائتمان «الكريديت كارد» الخاصة بها.. وبزعم أنها تعرضت للتحرش من سائق تاكسي ومن أمن البنك وعدد من المواطنين. ولأن سرعة «النت» صارت أبطأ من أتوبيسات هيئة النقل العام!.
لم تستوقفني ماسورة المجاري التي طفحت في فم تلك الفتاة، بقدر ما آلمتني إشارتها إلى أنها أم لطفل سيصبح عمره ثلاث سنوات في أغسطس القادم، خاصة بعد أن اعترفت بأنها تتعاطى «مهدئات» و«منومات» تجعل ردود أفعالها بطيئة. وبعد أن قالت «لو كان جوزي قال لي كلمة.. كان بقى الله يرحمه النهارده». كما أن عدم اتزانها النفسي كان واضحًا في تعبيرات وجهها وطريقة كلامها، في قيامها بالهرش في رأسها. أما إفراطها في استخدام الألفاظ السوقية، فلا يمكن تفسيره إلا بأنها «شر... شوحة»، بالوراثة أو بطبعها. وقد فصلت حروف الكلمة لأسهل عليك نطقها، وليس لأي سبب آخر. وهي كلمة دارجة توصف بها من تسب وتشتم بألفاظ نابية أو سوقية. وقديمًا كانت «الشرشحة» مهنة، تمارسها سيدات، غير فضليات!.
مواقع إلكترونية عديدة، بينها «بوابة الأهرام»، التفتت للفيديو ونقلت عن مصادر أن تلك الفتاة «ناشطة سياسية» اسمها «أمل فتحي عبدالتواب» وأنها إحدى أعضاء حركة ٦ إبريل ومن العاملين بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومتزوجة من محمد لطفي، مدير المفوضية المشبوهة. وأنها تواصلت في ٢٠١٤ مع خالد أبوالنجا، لتدريب بعض الفنانين التابعين لمسرح الهناجر بهدف استغلالهم في أفلام وثائقية مناهضة للدولة المصرية من إنتاج هذه المفوضية المشبوهة. ولأن المذكورة تنتمي إلى «حركة ٦ أبريل» المحظورة قانونًا، ذكرت بعض المواقع الإلكترونية أن ذلك الفيديو يستهدف «تشويه الدولة المصرية، والتحريض على العمليات التخريبية» وأنه «محاولة بائسة أخيرة لتحريض الرأي العام والحشد مرة أخرى ضد الدولة المصرية تنفيذًا لمخططاتها الهادفة لإثارة الفوضى وهدم مؤسسات الدولة.. إلخ».
لك أن تتهم تلك المواقع بأنها قامت بتحميل الفيديو أكثر مما يحتمل، وبأنها بالغت في الاتهامات التي وجهتها للفتاة غير المتزنة نفسيًا، الشر.. شوحة، بطبعها أو بالوراثة. لكن ما يعنينا هو أن الفيديو أصبح متداولًا، على نطاق واسع وصار من حق أي مواطن أن يتقدم ببلاغ ضد المذكورة، لا بسبب الاتهامات «المبالغ فيها» التي ساقتها المواقع، وإنما لأنها قامت بسب وإهانة الدولة التي ينتمي إليها هذا المواطن، ولم تترك مفردة في قاموس الشرشحة إلا ووجهتها إلى الشعب كله. والإهانة هي كل قول أو فعل يحكم العرف بأن فيه ازدراء وحطًا من الكرامة. كما أن القانون يعاقب على إهانة هيئات ومؤسسات الدولة وكذا إهانة أي موظف عمومي أو أي إنسان مكلف بخدمة عمومية أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها. وبالتالي يكون للجهات والمؤسسات التي قامت المذكورة بسبها، الحق في تقديم بلاغات ضدها. ولا تعتقد أنني أستهدف التحريض على تلك الفتاة، بل توضيح أن ما قالته في الفيديو يتضمن عدة جرائم، قد تكون إحداها هي سبب ما أشيع حول إلقاء القبض عليها.
الدستور يكفل حرية الفكر والرأي. ويعطي لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، لكنه لم يكفل السفالة و«قلة الأدب»، أي الخروج على الآداب العامة. وكان الدستور المصري يتضمن مادة يلزم الدولة بـ«رعاية الأخلاق والآداب العامة وحمايتها، والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، ومراعاة المستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية، والثقافة العربية والتراث التاريخي والحضاري للشعب» وهي المادة رقم ١٢ في دستور ٧١ ورقم ١١ في دستور ٢٠١٢، دستور الإخوان، بينما اكتفى دستور ٢٠١٤ بأن نص في المادة ١٠ على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». ومع ما نص عليه الدستور، الأسبق، السابق، أو الحالي، فإن جريمة نشر مواد مخلة بالآداب العامة، مثبتة في سبع مواد من قانون العقوبات، وتشمل كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو عرض مطبوعات أو رسومات أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة، إذا كانت منافية للآداب العامة.
بهذا الشكل، يكون عليك أن تندهش، تتعجب أو تستاء من ذلك البيان الذي أصدرته ما توصف بـ«المفوضية المصرية للحقوق والحريات» باللغتين العربية والإنجليزية، هذا نصفه الأول: «قامت قوات الأمن المصري اليوم ١١ مايو، في الساعة ٢:٣٠ صباحًا، باقتحام منزل المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي، واحتجزته مع زوجته أمل فتحي وابنهما البالغ من العمر ٣ سنوات والذي يحمل الجنسية السويسرية بالإضافة إلى المصرية. وفي أثناء اعتقالهم تعرضوا لضغوط شديدة، حيث تم تفتيش منزلهم، وتم الاستيلاء على هواتفهم المحمولة وحُرموا من حق الاتصال بمحام أو بأسرهم. هذه هي المرة السابعة التي تتعرض فيها المفوضية المصرية للحقوق والحريات وإدارتها للترهيب والاضطهاد من قبل جهة أمنية مصرية. ومع ذلك، تعتبر الليلة الماضية سابقة ونقلة نوعية في الممارسات التي يستخدمها الأمن لعرقلة عمل منظمات حقوق الإنسان، وذلك من خلال استهداف زوجة المدير التنفيذي التي لا تزال في الحجز».
كنت سأدين التعامل غير القانوني مع الفتى والفتاة وحرمانهما من حق الاتصال بمحام أو بأسرتيهما، غير أنني تشككت في حدوث ذلك، لأن البيان بنصفية الأول والثاني، لم يشر إلى «الفيديو» من قريب أو بعيد. بالإضافة إلى إشارته المفهوم هدفها إلى أن الطفل البالغ من العمر ٣ سنوات يحمل الجنسية السويسرية، وكذا رائحة التدليس التي أعتقد أنها أصابتك بالزكام، والتي لا يمكن مقارنته بما جاء في نصف البيان الثاني الذي أقحم كون «رئيس مجلس الأمناء للمفوضية هو المستشار القانوني لعائلة جوليو ريجيني». قبل أن يضيف أنه «من العار أن تختار السلطات الأمنية التعامل مع المفوضية المصرية للحقوق والحريات بهذا الشكل قبل أسبوع من الزيارة الفريق التقني الإيطالي إلى مصر بهدف فحص محتوى كاميرات الفيديو في محطات المترو فيما يتعلق بقضية ريجيني». ونشير بالمرة إلى أن «المهندس» أحمد عبدالله، هو رئيس مجلس أمناء تلك «البتاعة». وعليه، يحق لك أن تضرب كفًا بكف حين تقرأ في البيان أنه «المستشار القانوني» لعائلة فلان!.
قد يتم الإفراج عن المذكورة، الشر.. شوحة بطبعها أو بالوراثة، لسبب أو لآخر، لو صح خبر إلقاء القبض عليها. غير أن الأهم من حبسها أو عدمه، هو أن ما شاهدته في الفيديو يقول إنها لم تجد من يحنوا عليها أو يُحسن تربيتها. كما أن ما جاء في البيان يؤكد أن زوجها احترف التدليس ويحاول استغلال شرشرحتها، أو عدم اتزانها النفسي، لتحقيق مكاسب شخصية أو لصالح جهات تستعمله. وبالتالي، نكون أمام جريمة أهم وأخطر سيتم ارتكابها في حق طفل مسكين، هو ابنهما ذو الثلاث سنوات، الأمر الذي يستوجب أن نتضامن معه ونحاول إنقاذه، ونطالب بتحرك سريع وفوري من المجلس القومي للأمومة والطفولة، المسئول عن حماية الأطفال المعرضين للخطر.