مشوار
»من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر».. عبارة أو جملة فيها تقرير ظالم عجيب في منافاته لصحيح المنطق، مغرق في زيفه وإنكاره لحقائق الأمور ــ يعطي ــ الحق بالعدوان لكيان عنصري لصوصي مغتصب قام علي احتلال أرض عربية وتشريد أهلها.. عبارة ربما كانت أكثر من كافية عندنا لأن نسب ونلعن ونجهر بكرهنا لقوي الشر والعدوان وإمبراطوريات الاستعمار الجديد والقديم، التي تناصر عصابات احتلال وعدوان قائم ضد شعوبنا وبلادنا منذ 70 عاماً.. هكذا ومنذ نمت مداركي وقد تجاوزت اليوم سن الخمسين.. كان ليكون موقفي وطالما تصورت تطابقه وموقف كل عربي مسلما كان أو مسيحيا وربما مسلمو العالم كلهم ومسيحيو الشرق كله..
كنت أتصور حتي قبل أشهر معدودة »ويا لسذاجة تصوراتي» أنه رغم التورط القائم لبعض دويلات وبلاد العرب في دعم ميليشيات وجماعات التكفير والقتل، وضلوع حكام هذه البلاد في تنفيذ مخطط إسقاط الدولة السورية وتدمير جيشها لتقسييم هذا البلد العزيز القوي الصامد في مواجهة الصهيونية والنأي بقراره عن كل تبعية لغرب لم نعرف منه سوي العداء، ـ فإنها ـ هذه البلاد لم يزل في أنظمتها أو حتي بين شعوبها، » من بعده » يحتفظ بقليل من العقل وبالحد الأدني من الكرامة وبفطرة الانحياز الإنساني المنطقي للعدل قبل الانحياز الأممي للعروبة وللإسلام ولمسيحية مشرقنا البائس.
تصورات كانت تقول إن اختلافا مهما كانت أسبابه بين حكومات هذه البقعة من الأرض لن تنتزع من الشعوب كرهها للمحتل الصهيوني ومن وراءه.. وأنه لن يجرؤ حاكم أو نظام علي الجهر بغير ما يعبر عن شعب يحكمه سيما في هكذا قضية مبدئية عشنا أعمارنا كلها علي الإيمان بعدالتها واعتبرناها ـ أقصد شعوبنا العربية ـ قضية مصير.. !!
أفقت علي كابوس الخيبة والخذلان إذ تبين لي بأن تصوراتي كانت أوهاما وخيالات حالمة..، فما كنت أعلم يقيناً بأنه جوهر وجدان هذه الأمة لم يعد يصلح أبداً للتعميم كأساس لبناء الرؤي والتصورات الواثقة.. فالعبارة أو الجملة الوضيعة السخيفة لم تنسب فقط لبعض الحكوميين الغربييين إنما كررها وراءهم حكوميون عرب.. وليسوا وحدهم لكن تبناها علي مواقع التواصل الاجتماعي وعلي الملأ من هذا العالم العفن كثير من أفراد شعوبهم
الشعوب صاحبة الحضارات الأصلية الأصيلة وهي بلادنا مصر وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين هي أم للحضارات كلها.. مغروس بوجدانها بذور حكمة وصلابة وعزم وإرادة وتحد نمت ونبتت وأثمرت وأينعت عبر آلاف السنين ومستحيل تشويه وعيها ومسخ ضمائرها، ولذا لن تجد فينا ومهما بلغ بنا سوء الحال من تعمي بصيرته عن عدوه..، فيذهب لمناصرته، » لا » يفلح الأمر أبداً ولا يفعلها منا إلا من كان خائناً مدركا قبل غيره لخيانته وعلي ذلك فلا يملك الجهر بها.
سورية لا تحزني ـ ليسوا ـ منا.