إمكانات كامنة من أن تصبح قوة عظمى فى القرن الحادى والعشرين، وبالتحديد روسيا ثم الصين، مسموح لأى دولة أن تملك تقدرات عسكرية هائلة، على أن تظل قدراتها الاقتصادية أقل، مثل إنسان مفتول عضلات اليدين وعريض المنكبين، وعلى كتفيه منصة صواريخ نووية، لكن قدميه رفيعتان عضلاتهما متوسطة وتحملانه بصعوبة..وهذا بالضبط ما تسبب فى تفكك الاتحاد السوفيتى الضخم. باختصار هى حرب سيطرة وتحكم فى مناطق لها ثروات طبيعية وأيضا هى سوق كبير..ودون أن تحتلها احتلالا تقليديا.
صرخ فى التليفون: هذا فيلم سينما وليس واقعا.
بهدوء سألته: هل تعرف لماذا ابتكرت الولايات المتحدة مصطلح «الشرق الأوسط الكبير»؟
سألني: هل تقصد أن المصطلح له علاقة بالحرب العالمية التى تزعم أنها مشتعلة فعلا؟
قلت: هى أخرجته للنور بعد هجمات 11 سبتمبر، وهو يصف المنطقة من غرب الصين إلى شرق الأطلنطي، يعنى من أول أفغانستان إلى المغرب، واحتلت فعلا افغانستان لتكون فى بطن روسيا وعلى حدود الصين، وهذه المنطقة تتمتع بثروات معدنية هائلة على رأسها النفط والغاز، ويسكنها ما يقرب من مليار نسمة، وثرواتها هى مواد خام للتنمية وبشرها مستهلكون لسلع الآخرين، والتحكم فى «حركة» المواد الخام يحدد نوع التنمية ومعدلاتها، يعنى الولايات المتحدة لا تخشى أن تغزو الصين العالم بالسلع الرخيصة ذات التكنولوجيا المحدودة، بشرط ألا تقترب كفاءة العامل الصينى من كفاءة العامل الأمريكي، فى المهارة واتقان الأداء..وبالرغم مما انجزته الصين ويكاد يكون معجزة مقارنة بما كانت عليه قبل 30 سنة، إلا أن التباين مازال كبيرا فى كفاءة القوى العاملة، ، إذ يتجاوز إنتاج 163 مليون أمريكى 19 تريليون دولار فى العام الماضى حسب أرقام البنك الدولي، بينما لم يصل إنتاج 785 مليون صينى إلي12 تريليون دولار، أى أن متوسط إنتاج العامل الأمريكى 117 ألف دولار تقريبا سنويا مقابل 15 الف دولار للعامل الصيني.
باختصار تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إبقاء هذه الأوضاع على ما هى عليه، والحيلولة دون أن تتغير تغييرا جذريا يخل بالموازين التى تضبط النظام العالمى الحالي.
وطبعا روسيا أخطر من الصين ومؤهلة أكثر أن تصبح قوة عظمى سريعا، وأمريكا تعرف ذلك أكثر من غيرها، ليس لأن انتاجية العامل الروسى تزيد بمقدار خمسة آلاف دولار سنويا عن نظيره الصيني، ولكن لأن الروس لديهم ثروات متنوعة وتراكم معرفى وثقافى جيد، وطبعا بعد اكتشافات الغاز والنفط زادت الاحتمالات.
ومن هنا يمكن أن نفهم كيف وقعت سوريا بين براثن قوى تتصارع بعنف فحولتها إلى ساحة حرب عالمية: الغاز والنفط
وسأل: وأين نحن من كل هذا؟
قلت: نحن مثل الساحر الهندى نمشى على السلك المشدود ببراعة فائقة، المخاطر رهيبة ولا نتراجع، والاخطر أن عددا كبيرا من المثقفين المصريين والمنظمات المدنية لا تراها ولا تلزم نفسها بالمشى معنا على السلك.
وإلى الآن نحن ناجحون فى الحفاظ على توازننا، بالرغم من المحاولات المضنية المبذولة محليا وإقليميا ودوليا أن نسقط فى أوار هذه الحرب.
و نحن المصريين لنا مهمة هى الأخطر فى تاريخنا الحديث ولا تقل مجدا عن حرب أكتوبر 1973 وهى بناء حائط وقائى من النيران المشتعلة حولنا وألا نقع فى فخاخ التحريض والغوايات المطلوقة علينا.