الدستور
ماجد حبته
الفقر متعدد الأبعاد
هل تعرف ما هو الفقر متعدد الأبعاد؟

ذات مساء، كان الرئيس عبدالفتاح السيسي، يستعرض رؤية مصر لمجمل أوضاع المجتمع الدولي ومواقفها إزاء القضايا الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط، وقال الرئيس إن البحر المتوسط أصبح مركزًا للهجرة غير الشرعية من الدول الإفريقية والآسيوية، فرارًا من بَطش الاقتتال الأهلي و«بؤس الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي رصدها التقرير العربي الإقليمي حول الفقر متعدد الأبعاد الذي أعدته جامعة الدول العربية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والذي سيتم إطلاقه غدًا».

في اليوم نفسه، وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أوضحت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، رئيسة المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب: «غدًا نصدر التقرير الأول للفقر متعدد الأبعاد وسنشارك في دورة استثنائية لوزراء الشئون الاجتماعية العربية لمناقشة سياسات الحماية والفقر والتشغيل». وبما أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الثلاثاء ١٩ سبتمبر الماضي، فإن «غدًا» المقصود، كان هو الأربعاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١٧.

بالفعل، صدر التقرير في اليوم التالي، أي يوم الخميس ٢١ سبتمبر، وعرفت وأنا أتصفحه أن «التقرير العربي حول الفقر المتعدد الأبعاد، هو الأول من نوعه منذ إطلاق خطة عام ٢٠٣٠». وأنه نتج «عن تعاون استمر لثلاثة أعوام بين المجلس الوزاري للشئون الاجتماعية في جامعة الدول العربية، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية». كما عرفت أيضًا أن هذا التقرير يستهدف في الأساس «تقديم مقترحات عملية لصناع القرار في الدول العربية، ودعم الجهود العربية الرامية للقضاء على الفقر المتعدد الأبعاد وتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠. وللتوصل إلى ذلك استعرض التقرير فقر الأسر وفقر الأطفال، مستعملًا منهجيات معيارية تم تعديلها لتلائم احتياجات المنطقة العربية، بعد عملية تشاورية مع خبراء إقليميين ووطنيين وممثلين لحكومات المنطقة».

لنا جهود ومشاركات في هذا التقرير، أكثر ما لغيرنا، إذ شاركت في إعداده الدكتورة هبه الليثي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وفي ٣١ أكتوبر ٢٠١٦، افتتحت غادة والي، في العاصمة الأردنية عمان، ورشة العمل التي ينظمها مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب حول التقرير نفسه (تقرير الفقر متعدد الأبعاد في الدول العربية). وقيل وقتها إن التقرير استغرق إعداده أكثر من عام وإنه «يعد التقرير الأول من نوعه في الدول العربية». وعرضت الدكتورة الليثي تقريرًا عن برنامج الدعم النقدي المشروط «تكافل وكرامة» الذي تنفذه مصر باعتباره البرنامج الأول من نوعه في المنطقة العربية، والذي يطبق باستخدام تكنولوجيا المعلومات ويعتبر نموذجًا قابلًا للتطبيق لأنه يربط بين الفقر المادي والفقر متعدد الأبعاد.

لا تتوقف عند الأخطاء (أو الكوارث) التي جعلت عددًا مهولًا من غير المستحقين يستفيدون من مشروع «تكافل وكرامة»، فما يعنينا الآن، هو أنه في يوليو الماضي، أعلنت غادة والي عن الانتهاء من التقرير الذي وصفته مجدّدًا بأنه «أوّل تقرير إقليمي في العالم مُتخصص يتناول الأسباب الأساسية للفقر المتعدد الأبعاد في المنطقة العربية»، وأضافت أنه يقدم توصيات رئيسية لمعالجة الفجوات في التعليم، وتحسين نظام الحماية الاجتماعية، والاستثمار في الأطفال، وتنمية المناطق الريفية.

أيضًا، وبمشاركة كبار المسئولين والمتخصصين في الدول العربية، وكذلك بمشاركة عدد من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، أقيمت في ١٨ ديسمبر الماضي، ورشة عمل، بمدينة شرم الشيخ، لثلاثة أيام، ناقشت الإطار المفاهيمي للفقر متعدد الأبعاد وتطبيقاته بما في ذلك تحليل أوجه الحرمان المتداخلة ورصد الفوارق المكانية وجيوب الفقر في المنطقة العربية، لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرها من الجهات العربية والدولية ذات الصلة. وقالت غادة والي، في كلمة الافتتاح، إن مصر كانت حريصة على استضافة أعمال الورشة في هذه المرحلة الصعبة تأكيدًا لعزمها على استمرار عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتكاملة في طريقها، رغم كل التحديات.

انعقاد هذه الورشة بمشاركة عربية عالية المستوى، كما قالت غادة والي، جاء تزامنًا مع تنفيذ خطة التنمية المستدامة ٢٠٣٠، لوضع أطر ومفاهيم فنية لبناء قدرات المتخصصين وكبار المسئولين، لدعم متخذي القرار في تحقيق التنمية المنشودة. وأشارت إلى أن مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب حرص على أن تكون إحدى المهام الرئيسة للتقرير، هي وضع تصوّرٍ لتنفيذ توصياته، بإعداد مشروع استراتيجية عربية للقضاء على الفقر مُتعدد الأبعاد، كآلية عربية تدعّم الدول الأعضاء في مسيرتها نحو تحقيق التنمية المنشودة. والأهم من ذلك كله هو أنها قالت إن مشروع الاستراتيجية، التي أشارت إليها سيُمكننا خلال سنة ٢٠١٨، من إخراج ٣ ملايين أسرة مصرية، من دائرة الفقر، وعبّرت عن أملها في أن تُمثل هذه التجربة، خبرة تُضاف إلى الخبرات المصرية!.

وأخيرًا، جركن «البنزين» في إيدك، وتذكرة «المترو» في جيبك.. وأمام عينيك، ضع الجدل أو «الهبل» الذي صاحب الإعلان عن مشروع تطوير التعليم قبل الجامعي. ولو سألك أحدهم عن «الفقر متعدد الأبعاد» رد عليه باستعارة ابتسامة غادة والي، قبل أن تسحب نفسًا عميقًا من سيجارة، حقيقة أو افتراضية، وتقول إن الفقر متعدد الأبعاد تتم دراسته بطريقة بحث اسمها MODA وهي اختصار لـMultiple Overlapping Deprivation Analysis تقيس مستويات الفقر بناء على الحرمان من الأصول والخدمات، ومنها التعليم والصحة والبنية التحتية ولا تكتفي بالنظر إلى مؤشرات الدخل والإنفاق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف