الأهرام
فريدة الشوباشى
زوابع الرئيس الأمريكى
اتخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قرارات صادمة بعضها على الصعيد الداخلى والبعض الآخر يتصل بدول، تتصرف ازاءها واشنطن وكأنها ولايات تابعة لها دونما أى اعتبار لمعايير التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي.. وبالنسبة لمنطقتنا، أقدم ترامب على اتخاذ قرار، ماكان له اتخاذه حتى لو كان ملك الكرة الأرضية، وأعنى به قرار منح اسرائيل مدينة القدس والاعتراف بها عاصمة لها، علما بأن عمليات الحفر والتنقيب المستمرة لعشرات السنين لم تسفر عن العثور على مجرد حجر يدل على وجود تراث ينسب لليهود فى القدس، بينما يشهد المسجد الأقصي، أولى القبلتين. وثالث الحرمين، كما تشهد كنيسة القيامة، على أن تراث القدس هو اسلامى مسيحي.. مع ذلك ازدرى ترامب الحقوق التاريخية والواقع الماثل للعيان، وأعلن أنه يفى بوعده الانتخابى بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة التى لا تعترف هي، وبتشجيع ومساندة أمريكية شاملة، ولو بآدمية الفلسطينيين فما بالك بحقوقهم فى وطن عاشوا فيه آلاف السنين، يهودا ومسيحيين ومسلمين، قبل نكبة بريطانيا الخبيثة والتى غرست بذرة سرطان الطائفية بإنشاء دولة «يهودية»!..فى الوطن العربي، أى ان ترامب نسف أية آمال فى سلام، رضى فيه العرب بأقل القليل.. زوبعة ترامب تلك لم ولن تهدأ، لأن الرئيس الأمريكي، كرجل أعمال سابق أو ربما حالى لا يفهم سوى لغة المال ويصعب أن يتفهم المشاعر الوطنية والدينية الفلسطينية خاصة والعربية بشكل عام ولن ينسى له العرب انه لم ينبس ببنت شفة بصدد المذابح الاسرائيلية الجارية حاليا فى الأراضى المحتلة . ومنذ أيام أثار ترامب زوبعة جديدة عاتية لأنها طالت معظم دول الكرة الأرضية عندما أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق مع ايران بصدد نشاطها النووي.. ويستدعى سلوك الرئيس الأمريكى هذا عدة أسئلة على جانب كبير من الأهمية، وأولها, كيف يتصور ترامب أن تثق أية دولة فى أى اتفاق تبرمه مع الولايات المتحدة يتعرض للإلغاء و الإبطال اذا ما انتخب رئيس جديد للبلاد، فمن وقع اتفاق طهران، هو الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وقد وقعه باسم الولايات المتحدة الأمريكية، فما هى الضمانات التى يستطيع ترامب الآن تقديمها لضمان عدم إلغاء الرئيس القادم لقراراته او لاتفاقات أبرمها باسم بلاده مع دول اخري؟..وسؤال آخر يتردد فى دول الاتحاد الأوروبي، على ماذا تستند الغطرسة الأمريكية فى نظرتها الدونية إلى دول الاتحاد الأوروبى كمجرد تابع لواشنطن، عليها السمع والطاعة وليس لها ولو حتى بعض الحق فى مراعاة مصالحها والاتفاقات التجارية المبرمة بين شركات أوروبية وبين طهران ..ومن بين الأسئلة أيضا، بأى حق يهدد ترامب بفرض عقوبات على اى دولة تتعامل مع ايران وكأنه حاكم الكون الذى لا ترد له رغبة أو كلمة..

الغريب أن أمين عام الأمم المتحدة أعرب عن استيائه من قرار ترامب، وأكد أن ايران ملتزمة باتفاق عدم تطوير منشآتها النووية، ونبه الى خطورة تصرف الرئيس الأمريكى الذى حرر ايران من التقيد باتفاق عدم الانتشار النووي، ومن هنا كان التأكيد الأوروبى باحترام الاتفاق، وهو ما أعلنته ثلاث من أبرز دول الاتحاد الأوروبي، وهى المانيا وفرنسا وبريطانيا، مع الإشارة الى أهمية موقف لندن، التى اعتادت مساندة الموقف الأمريكى فى كل الأحوال.. وقد أعرب العديد من الكتاب الفرنسيين مثلا عن استيائهم من صلف ترامب وغطرسته فى التعامل حتى مع حلفائه وأوضحوا أن مثل هذه التصرفات ستؤدى الى عزلة أمريكا لا سيما وهى فى أضعف حالاتها فى وقت بزوغ نجم الصين..فقرارات ترامب الأحادية والتى تتجاهل منظومة العلاقات والقوانين الدولية ستهبط حتما بمكانة بلاده وتؤجج كراهية الشعوب لها، والأدهى أنه أثار قدرا من التعاطف مع ايران.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف