صالح ابراهيم
خارج الصندوق .. شبابنا يقرأ.. الحلم والأمل
** كسب الشباب الرهان.. واثبتوا للعواجيز خطأ ما توقعوه.. عن مصرع الكتاب الورقي.. ووأد عادة القراءة.. بعد ذلك الاندفاع من الجميع إلي القضاء الافتراضي.. رسائله.. ووسائله.. وامكانيات الألعاب والتخاطب بداخله.. وذلك الزخم من الامكانيات التي جعلت تكنولوجيا الاتصالات تتصدر الموقف في كل أنحاء الدنيا.. خاصة مع أجيال الكمبيوتر وما دار حولها من ابتكارات ؟؟؟ آلية ذكية.. أصبح بعضها في مستوي ذكاء الإنسان بالإضافة إلي صغر حجم التليفون المحمول.. وما احتوي عليه من خدمات تقدمها الإنترنت وما سهلته من مئات البرامج.. التي تتدخل في كل مجالات الحياة.
** رغم أن الصراع بين المنتجات الورقية والإلكترونية لم يحسم بعد.. إلا أنني باعتباري من الجيل القديم الذي يدين بأكثر الفضل.. في ثقافته العامة.. للكتاب أولاً.. ثم الراديو وجهاز التليفزيون الأبيض والأسود.. لابد من التوقف بالتحية أمام مبادرات غرسها الشباب في حقل الثقافة الورقية إن صح التعبير.. أعانت الكتاب المطبوع من عثرته.. سواء هؤلاء المبدعون العظام من جميع الفئات الذين راهنوا علي الشباب وتوجهوا إليه بإبداعاتهم ولم يخذلهم.. ونحتوا اسماؤهم في النصب التذكاري لدي الناشرين والترمومتر الذي لا يكذب لدي باعة الصحف.. وأصبحت لهم مكانتهم في السوق.. بإصدارات متعددة.. وأرقام للتوزيع غير مسبوقة.. وهو ما يشكل الضلع الثاني لمثلث التنوير لنتقدم بالتحية إلي هؤلاء القراء الشباب.. الذين احتفوا بادبائهم ليس فقط خلال قاعات معرض القاهرة الدولي للكتاب.. بل في مناسبات مستحدثة.. شهدتها ساقية الصاوي.. ومنتديات الفنون والمعارض والأندية الأدبية التي مازالت قادرة علي جمع راغبي الثقافة.. بالإضافة إلي من قدم لنا مبادرات وأفكار راهنت علي نجاحها وأين في الأقاليم بعيداً عن القاهرة وزحامها.
** عن واحد من هؤلاء نتحدث ونحيي.. الشاب أسامة إبراهيم ابن الزقازيق.. الذي نجح بدعم من أصدقائه.. ومحبي الأدب العربي مثله.. أن يصدر كتابه الأول "رسائل عليك السلام" عن إحدي الدور الجديدة للنشر.. "هي ظاهرة نلمحها متوهجة بشكل عام في إصدارات الشباب الأخيرة" وبعد تجربة مكانية رائعة.. أطلق عليها "المطار" وأقامها في بلدته الزقازيق لتكون ملتقي إبداعياً متعدد الأجنحة.. تستقبل حتي الطلاب الراغبين في المذاكرة.. وعن الكتاب البكر.. الرشيد تقول في مقدمتها د. راقية جلال الدويك الكاتبة والمترجمة وباحثة علم النفس.. أسامة الشاب الذي لا نخطئ فيه سمة الطموح والسعي.. عرفته طالباً مجتهداً يسافر يومياً من محافظة إلي أخري ليدرس الإبداع.. كنت أدرك بشكل ما أنه يؤسس لعمله الأول هذه الصفحات بين أيدي القارئ تترجم ما عنيت بـ "الفكرة الواعدة المتسقة الحلم والأمل علي مدار ثمانية وعشرين حرفاً" هي حروف اللغة العربية قسم أسامة رسائله المشحونة بالحلم داعياً إلي حبيبة ربما لم تأت بعد.. فاستطاع الهرب من فخ التكرار النمطي أو الترتيب غير المنطقي.. وكان العنوان رائعاً في استخدامه وتوظيفه.. عبر الصفحات القليلة رؤية متكاملة لحياة يتخيلها ويتمناها.. صاغ رؤية جيله الشاب.. غلف صياغته قدر كبير من الحلم.. لن يدركك وأنت تتجول بين الحروف ومحتوياتها.. بل ستدركك الدهشة حيناً والسعادة حيناً.. بل وربما حسرة خفية.. الأمر يتوقف علي كم هو عمرك كقارئ.. وكيف هي تجربتك الشخصية "عليك السلام" يخدم المحبة في العمق.. ويخدم الوصل والعدل والرحمة.
** وأستطيع القول بعد قراءة الكتاب.. لأكثر من مرة.. أنني أمام تجربة جديدة.. يستأنف بها أسامة إبراهيم.. ما برع فيه الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور.. ليس سهلاً في هذا العلم.. أن تستخرج الحكمة من داخلك أو رؤيتك مع الالتزام بالمشاعر وتسكينها ضمن حروف اللغة.. ليختار كل منا ما يراه مناسباً.. أو يحتاج إليه.. بالإضافة لما علمنا السابقون.. أن الحكمة نبع العواجيز أصحاب الخبرة.. لكن أسامة يفيض علينا بما نحتاجه وأكثر.. بعذوبة وصدق يصل إلي المثالية كما قالت د. راقية في مقدمتها.
** والآن مع انتظار ما يمكن لمطار أسامة أن يقدمه لشباب الزقازيق الواعد في هذه المناسبة الكريمة.. لا نملك إلا توجيه النداء إلي أصحاب المنتديات والمقاهي الأدبية التي كانت أحد ملامح التنوير في الأجيال السابقة.. حيث انفردت المحروسة بمقهي علي الأقل.. في كل مدينة وأحياناً للقرية.. للقاء فرسان التنوير مع المتعطشين للثقافة وتذوق الإبداع.. ولقد أصبحت مهمة أسامة وأصدقائه أشد صعوبة وإلحاحاً.. بعد ظهور مثالب "الحدث الأزرق".. ولعب الموت الأخري علي الموبايل والكمبيوتر.. ولن تقاوم إلا بمزيد من الإبداع.. والاهتمام الأكثر بالإصدارات التي تتولي مسئوليتها وزارة الثقافة.. وأجنحتها.. الهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة والمركز القومي للترجمة.. والبحث عن صيغة لتشجيع دور النشر الناشئة التي تحتضن إبداعات الشباب.