جمال سلطان
احتفالية أمريكية بلون الدم في القدس العربية
في احتفالية بلون الدم وطعم الدم ، دشن الأمريكيون سفارتهم اليوم في القدس العربية ، كان على الجانب الآخر من الاحتفال شعب ينزف ، وقرابة أربعين شهيدا في غزة حتى كتابة هذه السطور ، برصاص قوات العدو ، الرصاص الحي ، وهو أعلى رقم للمذابح المستمرة من جانب العدو الصهيوني تجاه مسيرات العودة ، وهو أمر مفهوم ، لأن الخطوة الأمريكية منحتهم المزيد من الجرأة والغطرسة واللا مبالاة ، كما أن التمزق العربي واتساع نطاق ملفات النار والدم في أكثر من موقع ببلاد العرب أضعف من الموقف العربي بشكل عام ، وهو ما لفت إليه بيان الأزهر الشريف ، وساعد الصهاينة على أن يكونوا أكثر جرأة ، مطمئنين إلى أن الرد العربي سيكون متواضعا .
كان مثيرا للأسى والسخرية معا ، أن تدعو الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ على مستوى المندوبين ، وليس الوزراء ، من أجل النظر في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، وحددت الجامعة يوم الأربعاء المقبل للجلسة ، مؤسف جدا ، رغم أن أبعد سفير عربي عن مقر الجامعة في وسط القاهرة يمكنه أن يصل إلى هناك خلال نصف ساعة ، كما أن موعد الجريمة كان معروفا ووصول ضيوفه الأمريكان حدث قبل يوم كامل أو أكثر ، ولكن أمانة الجامعة تعمدت أن تؤخر موعد اجتماعها يومين كاملين حتى تتفادى عقده في أجواء ملتهبة والنفوس مشحونة بالغضب ، والدم الفلسطيني الحرام يسيل على أرض فلسطين في معدل متزايد على مدار الساعة ، هو موقف هروب بطبيعة الحال ، وتسويف ، ولم يعد جديدا على الجامعة العربية التي يعتبرها كثير من العرب بقايا كيان فولكلوري ، من آثار الغابرين .
بيان الأزهر من أفضل البيانات التي صدرت في التعليق على الأحداث ، وقد وصف الأزهر ما حدث بأنه : (يأتي متزامنا مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، في تأكيد جديد على أن البعض يفضل الانحياز لمنطق الغطرسة والقوة على حساب قيم العدالة والحق، ما يجعل عالمنا المعاصر أبعد ما يكون عن الاستقرار والسلام) .
بيان الأزهر لفت أيضا إلى أن التشتت العربي شجع "المتغطرسين" على فعلتهم ، وقال البيان : (أن التشتت العربي والإسلامي شجع بعض الدول على الانسياق وراء القرار الأمريكي، والإعلان عن نقل سفاراتها إلى القدس، ما يمثل تحديًا لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم عبر العالم، ممن يرون انتهاك مقدساتهم ومقدسات إخوتهم المسيحيين، والعبث بتاريخها وتهويد معالمها ومحاصرة أهلها، وسط عجز وتخاذل دولي غير مسبوق، والكيل بمكيالين في القرارات الدولية وقوانينها) .
وجدد الأزهر في بيانه تأكيده على تمسكه بعروبة القدس وهويتها الفلسطينية، وعلى مضيه قدما في التوعية بقضية القدس وتاريخها العربي التليد، ودعمه لنضال الشعب الفلسطيني الباسل، من أجل التحرر واستعادة أرضه ومقدساته، مؤكدًا أن عروبة القدس هي قضية العرب والمسلمين الأولى التي لن تموت أبدا ، ودعا كافة الشعوب والمؤسسات الأهلية إلى اتخاذ جميع الآليات والأساليب الحضارية والسلمية؛ للتعبير عن دعمهم لفلسطين وشعبها، وعن رفضهم لمواقف الدول التي انحازت للكيان الصهيوني على حساب الحق العربي الفلسطيني) .
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو القرار الذي حرص أكثر من رئيس أمريكي على تحاشي تنفيذه ، وتأجيل ذلك إلى أجل غير مسمى ، إدراكا من الجميع بخطورته وتهديده للسلام العالمي ، حتى أتى رئيس معروف بالطيش والاستخفاف بعواقب الأمور ، ويترقب قضية بالغة الخطورة قد تعرضه ليس فقط للعزل ، بل والسجن ، مما جعله أكثر اندفاعا في خطوته ، ففعلها هذه المرة .
في ظل الأوضاع الحالية لا يتوقع أحد أن تهتز الأرض أو أن تقع حروبا شاملة في المنطقة بسبب القرار في أيامنا الحالية ، هذا صحيح ، ولكن الأصح أيضا ، أن ما حدث هو بمثابة تفخيخ لمنطقة الشرق الأوسط وربما غيرها بالكراهية والغضب والرغبة في الانتقام ، وزرع ألغام بالغة الخطورة تسكن نفوس ملايين العرب والمسلمين ، لا يعرف أحد كيف ستعبر عن نفسها ومتى ، وهو ما يضر بالسلام العالمي الذي يتاجر الجميع بالبحث عنه والدعوة إليه .