الأهرام
مراد وهبة
ليس دفاعاً عن الوزير
وإذا كان ذلك كذلك فعن ماذا أدافع؟ أدافع عن الابداع ووحدة المعرفة وهما من مكونات فلسفتى كما أنهما من مكونات «نظام التعليم الجديد» الذى أعلنه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى لبناء الانسان المصرى الجديد، وأوجزه فى أساسين: الأساس الأول اعتماد الابداع والتفكير النقدى والأساس الثانى: دمج العلوم والرياضيات والجغرافيا وغيرها فى حزمة واحدة تدرس باللغة العربية ابتداء من «كى جى وان». ويلزم من هذين الأساسيين تفصيل القول فى الابداع ووحدة المعرفة، وهو تفصيل أسرده على هيئة قصة جديرة بأن تروى لأنها تمس وزيرين من وزراء التربية والتعليم وهما العظيمان: الدكتور فتحى سرور والدكتور حسين كامل بهاء الدين. والسؤال اذن: ما القصة؟

بدايتها عام 1977 حين ألقيت بحثاً فى مؤتمر بأثينا عنوانه العقل الانسانى والابداع الفنى انتهيت فيه إلى أن الذكاء لفظ غير علمى سواء كان تعريفنا له بأنه القدرة على التكيف مع البيئة، أو تعريفنا له بأنه القدرة على تكوين علاقات جديدة. التعريف الأول يعنى أن السلوك الانسانى سلبى فى حين أنه ايجابى بحكم أنه مغَيَر للبيئة. والتعريف الثانى يعنى أن الذكاء لا يتميز عن العقل لأن تكوين علاقات جديدة هو من شأن العقل. ومن هنا ليس ثمة مبرر لهذه الازدواجية والاكتفاء بلفظ العقل.

وفى عام 1984 ألقيت بحثاً فى مؤتمر بكيبك عنوانه الابداع: ايديولوجى أم ثقافى. الفكرة المحورية فيه تدور حول العلاقة بين الابداع والمستقبل، بمعنى أنه إذا كان الابداع على علاقة عضوية مع المستقبل فهو اذن ليس امتدادا للماضى عبر الحاضر، لأنه يتجاوز الوضع القائم إلى الوضع القادم. وهذه المجاوزة فعل مبدع والموضوع المبدع هو ظهور جديد ولكن يسبقه قصد. الابداع إذن معطى كمشروع للمستقبل. وعندما يتجسد المشروع فى الواقع يتحول إلى ثقافة. ولكن إذا تحولت الثقافة إلى معتقد فإن الرؤية المستقبلية تصبح ممتنعة، وبالتالى يمتنع الإبداع. وفى عام 1986 ألقيت بحثا فى مؤتمر بالقاهرة عنوانه منطق الابداع مفاده الكشف عن قانون يحكم العملية الابداعية.

وتبلور كل ذلك فى مشروع أطلقت عليه الابداع والتعليم العام، وكانت الغاية منه إلغاء شارع الفجالة المحكوم بطبع الكتب الخارجية التى تختزل الكتب المدرسية فى نقاط محددة يسهل على الطالب حفظها لكى يتقيأها فى الامتحان كما كانت الغاية منه التقليل من قيمة الامتحان وذلك بإشراكه مع قيم أخرى تخص المجال المدرسى. وقد تحمس الدكتور فتحى سرور لهذا المشروع إلى الحد الذى قال فيه إننا نتطلع إلى رؤية أهداف المناهج وقد احتل الابداع فيها مكاناً كبيراً. وإثر ذلك تدخل وزير الداخلية وقال لوزير التربية والتعليم: أترك الفجالة على حالها. ومن هنا أُعفى الدكتور فتحى سرور من منصبه ورُقى إلى رئاسة مجلس الشعب. وكانت الترقية تغطية على التنحية. وجاء بعده الدكتور حسين كامل بهاء الدين. وفوجئ الكل بأنه يتبنى مشروع الابداع والتعليم فحدثت ثورة مضادة. وعندئذ حاول تغطية المشروع بأن تبنى مشروعاً آخر كنت قد أعلنت عنه فى مؤتمر عقد بالقاهرة فى عام 1980 تحت عنوان وحدة المعرفة. وهى عندى تعنى تأسيس علم جديد مكون من ثلاثة علوم: الفيزياء النووية التى نرد إليها العلوم الطبيعية والعلم السياسى الذى نرد إليه العلوم الاجتماعية والانسانية والفلسفة التى تؤلف بين العلمين من أجل تكوين رؤية كونية علمية. وقد انجذب الوزير نحو هذا المشروع فأنشأ لجنة من نفر من علماء مصر غايتها تغيير المقررات الدراسية فى المرحلة الثانوية. وقد اجتمعت اللجنة لمدة من الزمن ثم توقفت لأن الوزير تلقى رسائل ساخطة وهائجة منها على سبيل المثال: صاحب هذا المشروع شيوعى ومنها أيضا أن صاحب هذا المشروع ينشغل بأمور ليست من اختصاصه. وإثر ذلك أعفى الوزير من منصبه. والسؤال بعد ذلك: فى سياق هذه القصة لماذا هذه الضجة الكبرى من النخبة المثقفة؟. قيل فى سرد الأسباب إن مشروع وزير التربية والتعليم دكتور طارق شوقى لم يكن موضع دراسة جادة. ويثار السؤال الآتى: أين كانت النخبة ووزيران من وزراء التربية والتعليم قد أعفيا من منصبهما فى زمن الرئيس مبارك بسبب التزامهما بتغيير سستم التعليم المتخلف، والذى يقوم على معاداة الابداع؟. فى الجواب عن هذا السؤال هل من حقى القول بأن النخبة فى حالة سبات دوجماطيقى بسبب دخولها فى علاقة عضوية مع الإخوان المسلمين. ولا أدل على صحة هذا القول من أن النخبة هى التى سارعت إلى التلاحم مع الرئيس المخلوع محمد مرسى.ومن هنا أيضا يثار السؤال الآتى: هل من أمل فى أن تفيق النخبة من سباتها الدوجماطيقى؟

أظن أن تنفيذ هذا السستم التعليمى المغاير الذى أعلنه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى كفيل بإفاقة النخبة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف