هانى عسل
فى أزمة المترو.. الصراحة ليست راحة!
فى أزمة المترو، وفى أى أزمة أخري، إغضب والطم والعن كما تشاء، فلغة الأرقام والحقائق و«الصراحة» أقوى وأوقع من لغة العواطف والمصالح واللف والدوران وتجميل الأمور، ولغة الصراحة تقتضى منا أن نسجل ما يلي:
- الشعوب ليست دائما على حق، فلسنا فى مطعم أو «كافيه»، ودغدغة مشاعر الشعوب بالحق والباطل لا تبنى دولا ولا تحل أزمات!
- «الدعم» أكبر عملية «نصب» و«سرقة» و«ابتزاز» و«استعباط» فى التاريخ المصرى الحديث!
- هات لى شعبا واحدا على سطح الأرض يعمل 27 دقيقة فى اليوم، وإسهامه فى الناتج الإجمالى لبلده «صفر» وينجب بالخمسة والستة، ومع ذلك يريد الأكل والشرب والكهرباء والمواصلات والسكن «ببلاش»!
- خفض الدعم وإلغاؤه تدريجيا سيحدث، شئنا أم أبينا، بطلب صندوق النقد أو بإرادتنا، بالسيسى أم بغيره، فى عهده أو من بعده، ولو لم يحدث، لما وجدت مصر حبة أرز أو نقطة بنزين بعد أقل من عام!
- الشهادات الدولية عن مستقبل الاقتصاد المصرى جيدة جدا، ولا تستدعى السخرية أو التشكيك، بل تؤكد أننا على الطريق الصحيح، حتى وإن كان هذا الطريق مؤلما، وقد مرت شعوب أخرى بتجارب أشد وأقسي.
- شرف لجيلنا تحمل مرحلة التقشف لإصلاح ما أفسده غيرنا، بدون ثورات، ولا انفجارات.
- قبل يناير 2011، كانت مصر «تشغي» بالسائحين والمستثمرين وتنعم بالاستقرار، فعلى وكلاء «يناير» و«دراويشه» أن يتواروا خجلا و«ينقطونا بسكاتهم» مع كل أزمة.
- وبالمثل، من ضرب السياحة وأخفى السلع وتاجر فى الدولار، ليس من حقه الامتعاض من ارتفاع الأسعار عند أى أزمة، ولا السخرية ولا التحليل ولا طرح الاقتراحات.
- دخول «الإخوان» و«الجزيرة» و«الشرق» و«مكملين» على الخط فى أى أزمة، أصبح كفيلا بإفساد أى قضية وأو أى موقف وأى وجهة نظر!
- دخول «ثورجية» تويتر والفيسبوك أيضا على الخط فى أى «مصيبة» بشتائمهم وبذاءاتهم ولغتهم الكريهة، كفيل بالوصول للنتيجة نفسها!
- فى مصر «غلابة» يتحملون ولا يتكلمون، وفى مصر أيضا ناس «عاملين» غلابة، أو وظيفتهم «غلابة» أو هوايتهم غلابة، أو غلابة «بالإيحاء»!
- عند ارتفاع أسعار البنزين قبل عامين، رأينا «غلابة» يستقلون السيارات الفارهة والـ «فور باى فور» وفى أزمة الأمطار، شاهدنا غلابة فى التجمع وغلابة فى الرحاب وغلابة فى مدينتي، وفى هوجة تذاكر المترو، سمعنا عن غلابة يتصلون بالجزيرة «دولي» ويجلسون على النت والسمارت فون بالساعات ليشتكوا من زيادة جنيه أو ثلاثة فى قيمة التذكرة!
- زيادة سعر تذكرة المترو لم تكن مفاجأة، ولا صدمة، فقد أثار وزير النقل موضوع الخسائر علنا أمام الرئيس وأمام مصر كلها أكثر من مرة، أشهرها فى قنا وبورسعيد قبل عدة أشهر.
- سعر تذكرة المترو فى مصر فعلا هى الأقل عالميا، وإذا «أفتيت» بأن فوارق دخل الفرد كبيرة، سأفتى لك أيضا بأن فوارق عمل وإنتاج الفرد «برة» لا تقارن بـ «جوة»، فلا داعى لفتح المناقشة فى هذه النقطة منعا للإحراج! (راجع ثالثا)!
- من بين المعترضين على رفع التذكرة مصريون مقيمون فى التجمع وأكتوبر ومدينة نصر، لا علاقة لهم بالمترو، ومقيمون فى أمريكا وكندا وأستراليا، وأصحاب سيارات فارهة وسيارات «بسواق» ومن بين المعترضين أيضا فلسطينيون وسوريون وأتراك، ومصريون وعرب من خارج مصر!
- من اقتحموا بوابات المترو فى بعض المحطات «همج» وليس لهم وصف آخر، ليسوا مناضلين ولا أبطالا كما روج بعض الإعلاميين ونشطاء السوشيال ميديا.
- كاتب هذه السطور ينتمى للطبقة الوسطى ومرتبه ينفد قبل منتصف الشهر، ومع ذلك، لا تعنينى كثيرا زيادة تذكرة المترو، بقدر ما يعنينى أن يواكب هذه الزيادة : تكييف جميع القطارات، واهتمام أكبر بالنظافة والانضباط، ومنع دخول المترو لـ«المزوغاتية» والباعة والمتسولين، ورفع الإشغالات.
- مع كل «مصيبة» لا داعى لترديد شعارات عن الإنفاق الحكومى وفساد الأغنياء والحرامية الكبار وحدهم، فالاقتصاد غير الرسمى فى مصر أكبر حجما من ميزانية مصر نفسها، يعنى «اتكسفوا»!
- من يذرفون الدمع اليوم على جنيه أو اثنين زيادة فى المترو، سينفقون ابتداء من الغد مليارات الجنيهات على الولائم والمكسرات والمقاهى والشيشة والسهر أمام عشرين مسلسلا فى التليفزيون، «عادي»!
- لا يعجبك كلامي، ولا يعجبك الرئيس ولا الحكومة، ولا يعجبك تطوير التعليم ولا تطوير المترو ولا إصلاح عورات الاقتصاد، بسيطة، إنزل الشارع، واعمل ثورة، وبعدها لن تجد لا تعليما ولا مترو، ولا اقتصادا، ولا دولة! ..
.. أخيرا، يقول ليو تولستوى : «الصراحة مهما قست .. تبدد السحب».