الوطن
خديجة حمودة
فرز أول

7
قبل أن تتعجبوا أحبائى وأصدقائى من عنوان مقالتى الْيَوْمَ أقول لكم انتظروا واقرأوا سطورى حتى نهايتها لتعرفوا أين نحن ومع من نعيش ونتعامل. قالت لى إحدى الصديقات واصفة شخصية جميلة التقيناها معاً (إنسانة فرز أول) فابتسمت سعيدة بهذا التعبير البليغ وقررت أن أبحث وراءه وعنه فى كل مكان.

فكل منا يتمنى أن يلتقى فى حياته بأرقى البشر وأكثرهم عطفاً وعطاءً وأصحاب القدرات العالية فى العلاقات الإنسانية بمختلف أنواعها. وقديماً كانت جدتى تقول إن الأطفال هم أعدل حكم على نفوس البشر وإذا أردتم أن تعرفوا شخصاً ما على حقيقته فراقبوا رد فعل أصغر طفل فى العائلة حين يراه أو يحاول الاقتراب منه. فالملائكة الصغيرة يسعدها أن تقترب من أصحاب القلوب النقية الرقيقة التى تسبح فى الفضاء وتتجول فى الحياة باحثة عمن يحتاج لمساتها أو مساعدتها لتلبى احتياجاته وتهدهده وتمسح دموعه إن سالت على وجنتيه وتطمئنه إن هاجمه الخوف وتدعو له بالسلامة من أى مكروه وتشجعه على النجاح وتبارك له فى أفراحه وتواسيه فى أحزانه، فالأطفال يندفعون دائماً للأشخاص الذين يمكن أن نطلق عليهم وصف (فرز أول) ويحاولون التشبث بأيديهم والاحتماء بهم وقد تغفو عيونهم تماماً ويحلقون فى الفضاء ويحلمون بالجنة وسكانها دون أن يهتز لهم جفن بين أذرعهم. أما إذا كانت النفس ثقيلة وصاحبها غليظ القلب والمشاعر فإن الملائكة تنفر منه وتبتعد عنه فى هروب جماعى مما يحيط به من طاقة سلبية تنشر الإزعاج فى أى محيط يصل إليه، فمن المعروف أن تلك الطاقة لها مظاهر سلبية وترافقها آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وغيرها والتى تؤثر على حياة الشخص. ولا يتوقف المشهد عند ذلك فقط بل إن تلك الآثار تتخطى حدود الشخص وتؤثر على كافة العلاقات بينه وبين الناس وتجتاح الأشخاص المحيطين لتصبح السلبية سمة عامة من سمات المجتمع. وحول هذا المعنى كتب أرسطو (يمكن القول أن الشخصية أكثر الأدوات قدرة على الإقناع) وفى نفس الاتجاه قال د. مصطفى محمود (الحياة شخصية وجمال)، أما عبدالله المغلوث فقد أوضح نفس المعنى حين قال (تكمن الشخصية فى الروح أكثر مما تكمن فى الجسد).

وبعيداً عن الروح والجسد فإن كلمة فرز وحدها هى فعل معناه عزل أو فصل أو ميز جيده عن رديئه. والفاعل منه فارز والمفعول مفروز. وفى الحياة الاقتصادية يعرف التجار والمستهلكون معنى الفرز الأول بأنه أرقى المنتجات وأعلاها قيمة وجودة، أما الفرز الثانى فملىء بعيوب التصنيع والخامات وهو ما يتبعه سعر منخفض.

ويقول العلماء والمفكرون إن الإنسان المتميز عادة ما تكون لديه طاقة إيجابية تتوج تفاؤله وانفتاحه على الحياة وهى قوة داخلية ترشده إلى اختيار الطريق الصحيح وإلى إتيان الخير والتعامل بتفاؤل وانفتاح مع الحياة وهذه الطاقة هى السبب فى التعادل والاعتدال فى النفس البشرية بل إنه يمكن اعتبارها قوة مغناطيسية تجذب الأشياء الجيدة نحو أصحابها. وعادة ما يتميز الإنسان الفرز الأول بكاريزما عالية وجاذبية شديدة وتواصل واعٍ مع المحيطين حيث يملك القدرة على الاستماع بمحبة والتكلم بصدق ويشعر الطرف الآخر بأهمية حديثه والنظر إلى عينيه مباشرة ويكون معه فى اللحظة غير مشتت الذهن مظهراً كل ذلك من خلال لغة الجسد. وإذا تحدثنا عن ابتسامة الفرز الأول من البشر فيكفى أن نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (تبسمك فى وجه أخيك صدقة). وأن نقرأ كلمات الكتاب المقدس (المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شىء وتصبر على كل شىء) كورنيوس الأولى ١٣:٤ - ٧.

وأخيراً أتمنى لى ولكم ولمن أوحت لى بعنوان المقالة صحبة وعشرة مع بشر من الفرز الأول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف