الأهرام
عبد الرحمن سعد
كيف كان الرسول يتكلم؟
اختصَّ الله، سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، وحباه بفصاحة لسان، وقوة بيان، تظهران في أحاديثه، باعتبارها (السُنَّة) الباب الثاني للتشريع في الإسلام، بعد القراَن الكريم، ومن هنا تأتي أهمية هذا الميراث النبوي المتمثل في مأثوراته صلى الله عليه وسلم، وجوامِعِ كلمه وروائع قوله، مما لا يشبع منه مؤمن قط.
في وصف كلامه، قالت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: "كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَلَامًا فَصْلًا، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ"(رواه أبو داود، وحسنه الألباني). (الفصل أي: "عدم الموالاة بين الجمل بل فصل بعضها عن بعض"، (ابن حجر الهيتمي).

وعنها، رضي الله عنها، أيضا، قالت: "كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يحدث حديثاً لو عدّه العادُّ لأحصاه".(كناية عن عدم كثرة الكلام، رواه الشيخان وأبو داود).

وكان في كلام رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تأن ووضوح؛ لحديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: "كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرْتِيلٌ، أَوْ تَرْسِيلٌ". (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، أي: لم يكن يعجل بكلامه.

و"ترتيل أَوْ تَرْسِيلٌ" أي: تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات، بحيث يتمكن السامع من عدها، وفهمها.

وللبخاري عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تُفهم عنه، فإذا أتى على قوم، فسلم عليهم، سلم ثلاثا".

وحاثا على "تطييب الكلام" قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكلمة الطيبة صدقةٌ".(البخاري ومسلم).

ومرغبا في طلب العلم، وعدم التوقف عن الاستزادة منه، روى أبو الدرداء، رضي الله عنه، قال: "سمعتُ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، يقول: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ". (رواه أبو داود، والترمذي، وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود").

وموضحا "ثواب الهداية"، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأن يُهدى بك رجلٌ واحد خيرٌ لك مِن حُمْرِ النَّعَم".(البخاري ومسلم). قال النووي: "حمر النعم هي الإبل الحُمر، وهي أنفَسُ أموالِ العرب، يَضربون بها المثل في نفاسة الشيء).

ولأهمية إخلاص النية لله في كل عمل، قال، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".(سنن ابن ماجة).

وفي الحض على التوبة وكثرة الاستغفار، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". (أحمد، والترمذي، وحسَّنه الألباني "صحيح الجامع").

ومبينا خيرية مَنْ يتفقه في الدين، ورد الحديث عن معاوية، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أن رَسُول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". (مُتَّفَقٌ عَلَيه).

ومشدِّدا على أهمية الاعتدال والتدرج في "التدين"، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ (وفي رواية: الدَّلْجَةِ)".(البخاري ومسلم)، و"ادَّلَجوا" بتشديد الدال: إذا ساروا من آخر الليل.

وقال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ، وإن الكذب ريبةٌ". (أخرجه أحمد، وصححه الألباني "في صحيح الجامع").

وفي العلاقة مع الله، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".(البخاري عن أبي هريرة).

وفي كيفية التعامل مع الدنيا ورد الحديث عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمنكبي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

وكان ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".(البخاري).

وعن الجنة والنار، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات".(مسلم).

وداعيا إلى التحلي بالخلق الحسن، قال رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خياركم أحاسِـنُكم أخلاقاً".(البخاري ومسلم).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ".(أَخْرَجَهُ ابن ماجة، وقال الألباني: حسن "الصحيحة").

وعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ". (البخاري، ومسلم). و"الْأَلَدُّ الْخَصِمُ" هو: "المُبالِغ في الخصومة".

وفي صفات المؤمن الحق، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قُل: "قدر الله وما شاء فعل"، فإن لو تفتح عمل الشيطان".(مسلم).

وأخيرا، في التيسير والتبشير، قال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".(البخاري)
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف