إنها مصر
تشاجر الزوجان فطلبت منه الطلاق، فانتقم منها وصوَّرَها عارية ونشر اللقطات الفاضحة علي الإنترنت، ورد أهل زوجته فخطفوه وجردوه من ملابسه، وألبسوه نفس قميص النوم وطافوا به في القرية »صور، صور»، إنه نموذج حي لما يحدث في قاع مصر، فلماذا لجأ الزوج الندل إلي هذا التصرف الهمجي؟، ولماذا طبق الأهالي عقوبة »العين بالعين والبادي أظلم»؟.
وصلت الأخلاق إلي الدرك الأسفل، وتحول الزواج من مودة ورحمة إلي عنف وقسوة، ومن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان إلي فضائح بالموبايل والإنترنت، ومن ستر وغطا ومعيشة علي الحلوة والمرة، إلي كشف المستور وتعريته، وكنا زمان نفتخر بأخلاق القرية ودفء العلاقات والحميمية والتواصل والتراحم، لكن يبدو أنه فيروس منتشر في هواء البلاد يدمر الأخلاق، ولم يترك مكانا إلا ونخر فيه، وأسدل غيبوبة عقلية علي رأس هذا الزوج المفضوح، فلم يفكر في الأضرار الجسيمة التي تلحق بزوجته من نشر صورها عارية، وكيف ستلوكها الألسنة وتنهشها العيون، ويتمرغ شرفها في الوحل.
لم يعد لدي الناس قدْر من الشهامة والنخوة والحياء ليعتبروا ما قام به عملا مخجلا ويستحق العار، بل قد يعتبره البعض مجالا للسخرية والتنابز والاستهزاء، وفي القري المصرية حيث يخيم الفراغ الرهيب علي البيوت والحواري، يبحث الناس عن قصص تسليهم وتقتل الوقت، أو يستسلمون للمقاهي والجوزة والشاي الأسود والنميمة.
يبدو أن الناس في السنوات الأخيرة استسهلوا عدالة »خد تارك بإيدك» بسبب انتشار الفتونة والبلطجة، وسهولة إفلات المجرمين من المساءلة والعقاب، فإذا سُرقت سيارتك تفاوض مع اللصوص وادفع، وإذا أُختطف شخص لا تبلغ الشرطة ودبر الإتاوة لإنقاذه من الموت، وانتشرت المخدرات والترامادول مثل النار في الهشيم، وأصبحت الدماء والأرواح رخيصة بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر، وإذا قادك حظك العثر لمشاجرة مع فتوة في إشارة مرور فأنت ونصيبك وربنا معاك.
نعم.. تغيرت السلوكيات للأسوأ، وأخرج الناس مخزون الشر بداخلهم، ووزعوه علي غيرهم، وانهارت هيبة القانون، عندما اقتحم البلطجية أقسام الشرطة ودور المحاكم والنيابات، وكأن بينها وبين المراكز والأقسام »تار بايت» فهبوا لحرقها ونهبها، في مشاهد همجية لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل، لتفسير أسباب »الطفح الأخلاقي» الأشد قبحا من المجاري، ونلمس صوره وأشكاله في حياتنا اليومية، »الناس مش طايقة بعض»، أخوة أعداء يتربصون ببعضهم، ويتمنون زوال النعمة والخير عن غيرهم، الفقير يحقد علي الغني والغني يدوس الفقير، وصارت الحياة مسرحا كبيرا يعرض قصصا مزعجة.
أحزنتني قصة هذا الزوج الذي نشر صور زوجته عارية علي الإنترنت، لأنه من مقذوفات الطفح الأخلاقي، التي تلوث حياتنا وتضرب كل المعاني السامية والقيم النبيلة، وأحزنني »بصورة أقل» ما فعله فيه إهالي الزوجة، وهم يسوقونه بقميص النوم كخروف العيد، وزفه في القرية وتصويره بالموبايل، وهو يصرخ في خجل »فوضت أمري لله».. الله بريء منك ومن أفعالك وأفعالهم ومن كل الفاجرين.