جمال سلطان
هل يتبلور الغضب العربي الإسلامي من أجل القدس ؟
خلال الساعات الأخيرة ظهر أن روحا جديدة دبت في العالم العربي على مستوى القيادات ، حيث صدرت تعليقات أقل تحفظا تجاه الوضع في فلسطين والقدس ، وشخصيا أعتقد أن تصريحات أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية هو مرآة لما جرى في الكواليس ، فأبو الغيط الذي بدا متحفظا وشديد الديبلوماسية في تعليقه على ما جرى في القدس والوضع ملتهب ، وأثناء الجريمة التي حدثت بفتح سفارة واشنطن فيها ، كان أكثر خشونة اليوم في تصريحاته التي استبقت عقد مؤتمر وزراء الخارجية في الجامعة العربية لمناقشة الوضع في فلسطين ، فأبو الغيط هاجم "الجرائم" الإسرائيلية في فلسطين ، ودعا إلى محاكمة دولية لها أيضا على تلك الجرائم ، هذه لغة جديدة ، أين كانت يوم كان الدم يسيل على مرأى ومشهد من الجميع .
كذلك كانت كلمة سامح شكري وزير الخارجية المصري في المؤتمر شديدة اللهجة بشكل ملحوظ ، وأثنى فيها على صمود الشعب الفلسطيني وأنه قدم شهداءه ببسالة ويتمسك بحقه أمام قوة احتلال بلا سند أو قانون، مضيفًا أن سقوط الشهداء الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، هو عار أخلاقي وسياسي يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي بأكمله ، هذا كله كلام جديد كدنا ننساه من فرط بؤس الانبطاح وتكراره ، كما قال شكري أن إنهاء الاحتلال هو الحل الوحيد لمشاكل المنطقة وتوتراتها ، وهو كلام يأتي الحاقا بما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس من أن الشعب الفلسطيني يقوم بالدفاع المشروع عن نفسه .
غدا الجمعة ، تشهد تركيا مؤتمر قمة إسلاميا حاشدا من أجل القدس ، باعتبار تركيا ترأس منظمة التعاون الإسلامي في دورتها الحالية ، ومن المنتظر أن يحضر أكثر من زعيم عربي وإسلامي تلك القمة ، كما أن الدول التي لا ترتبط بعلاقات ود مع تركيا ستشارك أيضا ولو على مستوى وزراء خارجيتها ، وقد دعت الحكومة التركية إلى مظاهرة حاشدة ، بشكل متواز مع الاجتماع ، يقولون أنها ستكون مليونية في وسط اسطنبول دعما للقدس وصمود الشعب الفلسطيني .
هذه كلها خطوات إيجابية ، أيا كانت الدوافع وأيا كانت التفسيرات ، إلا أني أعتقد أن مردودها السياسي والإنساني والأخلاقي مهم ، فهي تبعث برسالة إلى العالم أن هناك على الجانب الآخر في تلك الأرض من يرى ما يجري في فلسطين من بلطجة إسرائيلية يمثل خطرا على السلام ، وتهديدا للاستقرار ، وأن المظالم التي تعيشها فلسطين وأهلها هي أكبر وأخطر من أن يتم تجاهلها أو سترها أو القفز فوقها بعلاقات ولو من تحت الطاولات ، وأن ثورة أهل فلسطين وغضبهم واحتجاجهم هو عنوان لغضب إسلامي عام ، هم ليسوا مجموعة إرهابية كما تروج آلة الإعلام الصهيونية وإنما شعب يدافع عن قضيته العادلة ، ويدعمه في نضاله كل تلك الشعوب والحكومات ، كما أن اجتماع هذه الدول وهؤلاء المسؤولين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، يعطي الرسالة للعالم ، أن مليارا ونصف مليار إنسان يشعرون بالانزعاج والغضب مما يجري في فلسطين ، وأن تلك القضية هي ـ وحدها ـ التي يمكنها أن تجمع كل هؤلاء الذين ربما ما يفرق بينهم سياسيا أكثر مما يجمعهم .
بعد تلك المظاهرات والاجتماعات والمؤتمرات ، أتمنى أن تكون هناك خطوات عملية ، أقول : عملية ، لتأكيد دعمنا لفلسطين وشعبها ، لقد وقف مجلس الأمن الدولي قبل يومين دقيقة صمتا حدادا على الشهداء الذين سقطوا في فلسطين برصاص الاحتلال الإسرائيلي ، فلماذا لا تكون هناك غدا الجمعة صلاة للغائب في مساجد المسلمين الكبرى حول العالم ، وخاصة في الأزهر الشريف ، لماذا لا يدعو الأزهر إلى إقامة صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة على أرواح أهلنا الشهداء في فلسطين ، وأيضا لماذا لا تكون هناك خطوات جدية ، وقرارات أيضا ، بالاتجاه نحو فتح سفارات للدول العربية والإسلامية لدى السلطة الفلسطينية في القدس العربية ، إنه حتى التلويح الجدي بمثل هذه الخطوة من شأنه أن يربك الدنيا كلها ، وأن يربك حسابات القتلة في تل أبيب .