الأهرام
محمد الرميحى
الوحدة الفلسطينية الناجزة .. أكبر رد على نقل السفارة
كثير من المؤرخين العرب والأجانب ينظرون الى القضية الفلسطينية على أنها هى الأولى والجذر فى كل الاضطراب فى الشرق الاوسط منذ اكثر من سبعين عاما، عندما طرد من فلسطين مئات الآلاف من العرب أصحاب الارض، وهجروا فى بقاع الارض، وذهبت تلك القضية مذاهب شتي، منها فى بعض الاوقات لوم العرب الآخرين على أنهم سبب فى نكبة فلسطين!، والبعض لام نفسه ووطنه، فحصلت كل تلك الانقلابات والتغيرات الجذرية فى الجوار الفلسطيني، والتى فى مجملها لم تنفع القضية ولم تنفع الاوطان ايضا، ومازالت هذه القضية تفعل فعلها فى الجوار وفى العالم وتؤثر تداعياتها على الفضاء العربى والدولي. فى الاشهر الاخيرة تفتق ذهن البعض ان يقوموا بمسيرات تجاه الحدود من غزة الى فلسطين المحتلة، لإبقاء القضية على السطح، وتذكير العالم بها. ولكن يبدو ان مبادرة المسيرات لم تكن لها استراتيجية واضحة يراد لها ان تتحقق. حتى الآن وفى الأسابيع الاخير قتل على حدود غزة اكثر من ستين شابا بدم بارد، ذهبوا ضحايا لمشروع غير محدد المعالم ولا ينبع من استراتيجية واضحة، اللوم هنا ليس على جماهير هذا الشعب المسلوب الحقوق، وليس على شبابه المستعد للتضحية الكبري، اللوم يذهب الى القيادات التى حتى الآن لم تضع استراتيجية توظف فيها كل الادوات من اجل هدف محدد يمكن الوصول اليه. فعلى الجانب الفلسطينى أن يدرك أن الرد الأكثر قدرة والأقوى على عملية نقل السفارة الامريكية الى القدس، هو الذهاب الى الوحدة الفلسطينية الناجزة، وهى خطوة بإمكان القيادات الفلسطينية، لو صفيت النية بين الفرقاء، لتمت فى ايام او اسابيع قليلة.

لقد كتب الكثيرون عن اهمية تلك الخطوة، الوحدة الفسطنيية، من اجل ابقاء النضال الفلسطينى حيا ومن اجل اسماع العالم كلمة واحدة وموحدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، تتقارب الرءوس ثم تفترق، دون ان يعرف احد لماذا تقاربت اولا؟ ولماذا افترقت ثانيا؟. على طرف آخر دخل على الخط، كما هو متوقع طرفان اقليميان، بكاؤهم الظاهر على فلسطين والفلسطينيين، ولكن دموعهما تنهمر من اجل أهداف اخري، اقصد هنا تركيا وايران، فسرعان ما قام النظام التركي، بطلب الى السفير الاسرائيلى فى انقرة، المغادرة المؤقتة! وفى نفس الوقت الذى تشهد العلاقات الاقتصادية التركية الاسرائيلية تناميا غير مسبوق! لقد كنا هنا قبل ذلك، احتدم الخلاف بين انقرة وتل ابيب قبل ذلك وفى السنوات الاخيرة عدة مرات، وما ان تهدئ الازمة وينسى الناس، حتى تعود المياه الى مجاريها وبشكل افضل مما كانت. السبب هذه المرة ان القضية وسحب السفراء يمكن ان يوظف فى الانتخابات التركية المقبلة! اما الجمهورية الاسلامية فسرعان ما ربطت ازمتها مع الغرب بالقضية الفلسطينية، فقال المتحدث فى طهران ان انسحاب امريكا من الاتفاق النووى ونقل السفارة الامريكية الى القدس هى من أعمال الاعتداء على الشعوب!. الكل يعرف ان الملفين غير متصلين باى صلة، لا من قريب ولا من بعيد، انما هو التوظيف السياسى الفج الذى لم يعد بامكانه تضليل الجمهور. فى الحالتين التركية والايرانية تصبح دماء الفلسطينيين فى سوق النخاسة، ويسر لها البعض من القيادات الفلسطينية للقول العلنى (لقد تخاذل العرب عن النصرة، وأتى الأعاجم لها), وهو قول مردود عليه بشكل عقلاني، ولكن فى غياب العقل فان الشعوبية هى التى تطفو على السطح.

من الأوفق القول ان القيادة الفلسطينية، وخاصة فى غزة، لا تريد أن تقرأ الواقع كما هو، وترغب فى تصدير أزمتها والمأزق الذى اوصلت الجماهير الغزاوية له إلى الآخرين من خلال أعمال ليس لها بوصلة محددة او استراتيجية لها معني، هى قد تستخدم كل تلك التضحيات التى قدمها ابناء فلسطين الشباب من دمائهم الطاهرة، قد تستخدمها لفك ازمتها لا غير، فى الوقت الذى قدم العرب، ومصر خاصة الكثير من الاقتراحات من أجل لم الشمل الفلسطيني، ووضع استراتيجية متعددة الاوجه لتقديم القضية الى العالم والوصول بها الى مكان يحقق فيه الشعب الفلسطينى خياره الوطني، فى اقامة دولة مستقلة، كما نصت عليه القرارات الدولية.

وسوف يجتمع العرب وغيرهم لتدارس القضية، وسوف يقال كلام كثير من اجل النصرة والدعم، وسوف تتحرك عواصم فى العالم لتبدى تعاطفها، ولكن بعد أن تطفأ الأنوار سيعود الأمر الى ما كان, انشقاق واقتتال بين الاخوة وتصريحات نارية. لابّد من مصارحة القيادات الفلسطينية وبشكل واضح وجلي، ان فرقتكم تزيد من معاناة شعبكم وتفتح صمام الدم الفلسطينى على آخره للهدر، هى نكبة فوق النكبة، كما يستغل كل ذلك آخرون من أجل تحقيق اهداف أوطانهم السياسية او اهدافهم الانتخابية. قضية فلسطين تبدأ بابنائها من خلال النظر الى المسرح الاقليمى والعالمى نظرة موضوعية، فلن يقلع شوك الفلسطينيين غير وحدتهم!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف