جمال سلطان
ورطة عمرو خالد بين الدين والسياسة
لم أصدق عندما قرأت في البداية تعليقات على ما قدمه الداعية عمرو خالد في إعلان تليفزيوني لصالح إحدى شركات انتاج وبيع الدجاج ، للوهلة الأولى تصورت أنه كلام من نوع ما يسميه نشطاء التواصل الاجتماعي "الألش" والنكات ، غير أني لما شاهدت الفيديو صعقت بالفعل من غرائبية ما شاهدت ، وضربت كفا بكف ، ما الذي يدعو عمرو إلى هذا الفعل الفاضح والبالغ السخافة ، وهو ليس بحاجة إلى ذلك ، لا في دينه ولا في دنياه ، ما الذي يضطره إلى هذا الهوان والرخص في ممارسات مهينة جدا لأي رمز ديني أو داعية ينتسب إلى الدين ، لقد كانت الترجمة المباشرة والوحيدة لما فعله في هذا الإعلان هو "التجارة بالدين" ، هذا ما فهمه الناس ببساطة وهم محقون ، وهي أبشع ألوان التجارة ، والناس يمكنها أن تتسامح مع أي تجارة حتى لو غير مشروعة ، لكنها من الصعب أن تتسامح مع من يتاجر بالدين لتسويق نفسه أو منتجات أيا كانت .
اعتذر عمرو خالد عن هذا الإعلان ، واعترف أنه أخطأ ، وأنه يتحمل المسئولية ، وقال أنه بشر يخطئ ويصيب ، وأبدى توبته واستغفاره ، وهذا كله جيد ، لكن المشكلة أنه يضعها في سياق خطأ وصواب ، والمسألة بذلك تبسيط مخل ومضلل ، لأن ما حدث هو فعل يحمل دلالة رمزية على منهج وتصور للدين ورسالته ، ودور من يحمل الدعوة إلى هذا الدين ، إن ما حدث هو نتيجة كانت طبيعية لمن تصور أنه يمكنه أن يعزل الدين في طبقة اجتماعية أو في نوادي للنخبة أو للمترفين ، الدين الذي لا يحملك أي مسئولية تجاه الناس ، الدين الذي لا يحمل لونا ولا دلالة ولا ولاءا ولا تضحيات من أي نوع ، الدين الذي يعزلك عن المستضعفين وعن المقهورين وعن ضحايا الإذلال والإفقار ونهب المال العام وإهدار كرامة الإنسان ، الدين الذي يعوضك عن شراء حبات "الترامادول" لتغييب العقل أو تخدير النفس ، الدين الذي لا ينصر مظلوما ولا يردع ظالما ، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، ولا يعرف لكلمة الحق موقعا عند أي مظلمة ، والحقيقة أن هذا النوع من الخطاب الديني كان فتنة للكثير من الناس ، وعونا لانتشار الإلحاد والاستخفاف بالدين والنظرة السلبية لمكانته ودوره ، إنه خطاب ديني لا يصلح إلا لتسويق إعلانات بشكل مادي مباشر أو بشكل معنوي .
عمرو خالد ليس وحده في هذه الهوة السحيقة ، وهذا الخلل ، فهناك عدد آخر من الشباب الذي احترف تلك النوعية من الدعوة ، وإن كان عمرو هو الذي مهد الطريق لهذه النوعية من الدعاة الجدد في العالم العربي ، وهو الذي سن تلك السنة ، وقد تلقفتهم بعض النظم التي لا تحمل أي ود للدين والتدين في العالم العربي ، ووسعت لهم في إعلامها ، حتى أن أحدهم تعاقدت معه إمارة خليجية بملايين الدولارات لشراء روايات له لتحويلها إلى أعمال فنية مزعومة ، لأن تلك الأصوات تخدم الرؤية التي تقدمها والتي تمثل حربا على الإحياء الإسلامي بكل صوره .
أخطأ عمرو بدون شك ، غير أن بعض ما يتعرض له من حملات إعلامية مركزة لا يعود إلى غيرة على الإسلام وعلى الدين ، بقدر ما هو عملية "تأديب" له من قبل إحدى العواصم الخليجية التي سخطت عليه لأسباب لن تعلن الآن ، كما أنه يتعرض لحملة داخل مصر ذات خلفية سياسية محض ، فعمرو غير مرضي عنه من قبل مراجع عديدة نافذة في مصر ، وهناك حصار إعلامي مفروض عليه خلال الأعوام الأخيرة داخل مصر ، وهناك تعليمات لصحف كبيرة بعدم نشر أي أخبار تتعلق بعمرو خالد ، هذا كله نعرفه ، ولكن في النهاية يتحمل هو المسئولية الأولى والأهم ، لأنه منح خصومه أداة إهانته ، لأنه أهان نفسه وأهان الرسالة التي يفترض أنه أمين عليها .