المصريون
د. حسام عقل
حتى الصيام.. قرار سيادى؟!
كيف نفهم أحدث مغامرات "إبراهيم عيسى" حين استهل شهر الصيام هذا العام، والناس يتهيأون وجدانيًا وإيمانيًا، لاستقباله بقوله _ بتصريح متبلد شديد التناحة _: ".. إن الصيام لا حكمة له واضحة ولكنه "قرار سيادى"!! جمعت عبارة "عيسى" بين التسطيح والضحالة والمكايدة المجانية الاستفزازية لمجرد "الشو الإعلامى" ولفت الأنظار خصوصًا، بعد خروجه من مساحات إعلامية معتبرة كانت السلطة تفرط فى تدليله من خلالها! ولكنها كانت مؤشرًا، فى حقيقة الأمر، على أن عمليات التوجيه الإعلامى، الجارية منذ خمس سنوات قد بدأت تؤتى ثمارها، لدى نخبة، لبست أمامنا قناع الليبرالية والحياة المدنية، زورًا فخدعتنا طويلًا، والآن سقط القناع وأسفرت عن حقيقتها بوضوح مكشوف، حيث بادرت بملء الفضاء العام، بكل مصطلحات الطاعة العمياء والانقياد، فحتى "الصيام"، من وجهة نظر هذه النخبة الوظيفية المدجنة، صار "قرارًا سياديًا" يتعين قبوله على مضض، وإلا..!!
لن أناقش "إبراهيم عيسى" فى حكمة الصيام أو جدواه الشرعية والإنسانية، فى سياق تربوى خاص شق الإسلام مجراه منذ البداية، فـ"عيسى"، فيما يبدو، يتعامل مع التصورات الإسلامية ومصادر الثقافة الإسلامية بالعموم _ قرآنًا وسنة _ بمنطق "مراسل أجنبى" يراقب مسارات الأمور من نافذة قطار! وهو يتخذ من خلال سيل كتاباته موقعًا عدائيًا من أية فكرة تصلها أدنى صلة بالإسلام، وقد كشفت حقيقة موقف الرجل فى مقالة لى نشرت قبل عام على هذه المساحة بعنوان: "ظاهرة إبراهيم عيسى.. من صنعها؟" فليرجع إليها من شاء، وعيسى نفسه أبرز موقفه بما يتجاوز الوضوح من خلال روايته الكسيحة: "مولانا"، ومن خلال كتابه المسموم: "رحلة الدم"، حيث يرى فى التاريخ الإسلامى كله، منذ الفتوح، مجرد "رحلة دم"، فحتى "المدينة المنورة" نفسها _ وهى أطهر البقاع إلى جوار "مكة"، حيث "يأرز إليها الإيمان" كما ثبت فى الحديث) _ يراها "عيسى" حشدًا وتراكمات من ".. رائحة التراب والغبار وقيظ الحر و.. روث الإبل.. ولهف الشبق (الشبق الجنسى فى المدينة!!) وزفرات الانتشاء..!!" (رحلة الدم / ص 454 / الكرمة للنشر 2016 ).. ما شاء الله على بلاغة الحقد الأسود والغل الموتور!!.
لم أستغرب أن يصف عيسى "شعيرة الصيام" بـ"القرار السيادى"، فهذا هو الغرس الطبيعى لنخبة انكشف أمرها تمامًا لتسقط عنها حتى ورقة التوت، النخبة التى تحايلت على الحريات، وعادت وعاندت أى مسار ديمقراطى فاحتمت دائمًا بجراب الأنظمة، وهذا هو المسار التطورى الطبيعى لنخبة وظيفية، زرعت فى الوادى _ منذ عقود _ بذرة التسلط والقهر، وما زالت على عهدها باقية، تكشف عن خبء الضغينة والكره الأسود لأى مسار، يمكن أن يقود الأمة إلى حريات، أو رأس مرفوعة! فكما تم تأميم أى مساحة ابتكار مستقلة، يتعين بالمنطق ذاته تأميم الشعائر الدينية ذاتها، لتجثم على الصدور فضاءات القهر وحدها، وتعمر مزيدًا من العقود! والعزاء أن فى مصر "نخبة جديدة" تولد، لترسم بوصلة جديدة، بعد أن أتمت هذه النخبة الكلاسيكية الكالحة مهمتها، بتلبيس الوطن المصرى فى الحائط!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف