الأهرام
مراد وهبة
عام 1979 باللون الأحمر
للمرة الرابعة أشير إلى عام 1979. أشرت إليه للمرة الأولى فى مقال نشرته فى مجلة المصور فى عام 2003. وفى المرة الثانية نشرت ثلاثة مقالات بجريدة الأهرام فى عام 2013 وفى نفس هذا العام صدر عنه كتاب لمفكر أمريكى اسمه كرستيان كارِل وجاء فى العنوان أن ذلك العام هو مولد القرن الحادى والعشرين. وفى هذا العام صدر كتاب لمفكر فرنسى اسمه إيفونيك دونويل تحت عنوان 1979 ملوناً باللون الأحمر. والمغزى أنه عام خطر ومخرب ومدمر. وكلها تدور حول الأصوليات الدينية التى أدت دوراً جذرياً فى تغيير مسار الحضارة من كونها عقلانية إلى كونها لا عقلانية بحكم أن هذه الأصوليات تقف ضد إعمال العقل فى النص الديني، وبالتالى الالتزام بحرفيته، ومن ثم إلى رفض أى نظرية علمية عندما تبدو وكأنها نافية للنص الديني. وفى هذا السياق يمكن القول إن الارهاب هو أعلى مراحل هذه الأصوليات.

وفى مقالاتى رحت أبيَن مظاهرها على نحو ما قرأت عما يحدث فى أفغانستان وايران والجزائر وأمريكا، وما شاهدته فى مصر، ولكن مع التنويه بأن المفكر الأمريكى كارِل قد ارتأى أن هذه الأصوليات هى صحوة دينية، ومن ثم فإنه قد اعتبرها أساس الحركات الثورية التى حدثت فى عام 1979، وفى مقدمها الثورة الايرانية. وجاءت عبارة السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى عهد المملكة السعودية حاسمة فى الكشف عن خطورة ذلك العام. ففى حواره مع رئيس تحرير مجلة ذى أتلانتك الأمريكية فى 7 ابريل من هذا العام قال: «عندما جاء عام 1979 انهار كل شيء لأن الثورة الايرانية ابتدعت ايديولوجيا تقوم على الشر المطلق. وقد حاولت استنساخ ثورتها عندما حاولت الاستيلاء على مكة ولكنها فشلت». ثم استطرد قائلاً: «إن ايران هى الخطر الذى يهدد استقرار المنطقة». وفى هذا السياق قال ولى العهد: «لقد استيقظنا فى عام 1979». وفى رأيى أن هذه اليقظة مماثلة لليقظة التى أفاقت الفيلسوف الألمانى العظيم كانط من سباته الدوجماطيقي، أى من نومه العميق بسبب تخديره بمخدر أطلقت عليه مصطلح امتلاك الحقيقة المطلقة، ذلك أن من شأن ذلك الامتلاك منعك من الوعى بمغزى الأحداث. ومن هنا القيمة التاريخية لكتاب دونوبل لأنه يحصر عام 1979 فى ثلاثة فصول بعنوان ثلاث دول وهى على ترتيب تناولها: ايران والسعودية وباكستان.

والسؤال إذن: ما الذى حدث فى هذه البلاد ولم تكن على وعى بخطورته الحمراء؟

فى ايران وعلى وجه الدقة فى 29 نوفمبر من عام 1979 قررت الثورة الايرانية الاستيلاء على مكة وإعلان سقوط المملكة، وفى حينها أعلنت المملكة أن الذين حاولوا الاستيلاء على مكة هم مجرد عصابة متعصبة دينياً ومتوهمة أن لها رؤية متنورة. أما العصابة ذاتها فقد أعلنت أنها تنشد تأسيس اتحاد شعوب الخليج العربي، ومن ثم حدث الجذب للحركات الاسلامية الثورية سواء كانت شيعية أو سُنية، وانتهى هذا الجذب فى عام 1982 إلى تأسيس حزب الله فى جنوب لبنان. ولم يكن إلا حزباً من صنع آية الله الخميني.

وفى السعودية وعلى وجه الدقة فى ديسمبر من عام 1979 حدث الغزو السوفيتى لأفغانستان. وعندئذ قررت السعودية تدعيم الأصولية الاسلامية المتمثلة فى طالبان بأفغانستان تدعيماً مالياً بلا حدود. وقد جاء هذا التدعيم إثر قرار الرئيس الأمريكى كارتر بمساندة طالبان. والمفارقة هنا أن برجنسكى مستشار الأمن القومى فى زمن الرئيس كارتر المدعم للثورة الايرانية هو أحد العقول المدبرة لنشأة حركات الجهاد الاسلامى فى أثناء الغزو السوفيتى لأفغانستان.

وفى باكستان وعلى وجه الدقة في4/ 4/ 1979 أُعدم العلمانى على بوتو الذى كان رئيساً للوزراء فى عام 1973. والمفارقة هنا أنه كان قد عين الجنرال ضياء الحق رئيساً للأركان برتبة فريق متجاوزاً خمسة قادة أقدم منه لثقته به. إلا أن ضياء الحق الأصولى الاسلامى قاد انقلاباً أطاح بعلى بوتو وبمساعدة أصولى اسلامى آخر اسمه المودودى الذى كان مُعلم سيد قطب.

وتأسيساً على ذلك فإنه يمكن القول إن عام 1979 هو انقلاب كوكبى على كوكب الأرض. ومن هنا يمكن القول أيضاً إنه يتجاوز عامى 1967 و 1973 لأن الحرب التى دارت فيهما كانت حول صراع محدود هو الصراع العربى الاسرائيلى أو بالأدق الصراع الفلسطينى الاسرائيلي. وفى هذا السياق يرى دونويل أن الحربين لم تكونا من مقدمات عام 1979، لأن الغاية منه كانت تكمن فى تحقيق حلم إسلامى هو حلم الخلافة الاسلامية، وفى هذا التحقيق يكمن تميزه عن أى عام من أعوام القرن العشرين أو بدايات القرن الحادى والعشرين. أما إمكان هذا التحقيق فمشروط بإزالة العلمانية فى أوروبا وفى أمريكا باعتبار أن العلمانية هى نقيض الأصوليات الدينية، وفى مقدمتها الأصولية الاسلامية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف