الجمهورية
زياد السحار
الجامعة .. والطريق إلي البطالة!!
في حواره المفتوح خلال المؤتمر الوطني للشباب.. لمس الرئيس السيسي بمصداقية ومصارحة شديدة. مشكلة التعليم وسوق العمل.. تلك المشكلة التي تتسبب في أخطر مشكلة تواجه الشباب وهي مشكلة البطالة.
فمازالت ثقافة المجتمع تنعكس بالسلب علي هؤلاء الشباب وعلي الحكومة التي يحملونها مسئولية تشغيل أعداد هائلة من شباب يتخرجون في كليات نظرية بمئات الألوف سنوياً لا يحتاجهم سوق العمل.. وتكون النتيجة أن هذه الشهادة الجامعية يكون مصيرها "دولاب" البيت وصاحبها نائماً فوق "السرير" صباحاً ومتسكعاً ليلاً في الشوارع. وعلي المقاهي.
وقد يصاب الشاب بالاكتئاب أو تتلقفه جماعة متطرفة تعده بالحور العين ومسكن في الجنة. ويتحمل المجتمع الذي لا يريد أن يغير ثقافته التقليدية القديمة ويلات الإرهاب.
وهل نلقي باللوم علي السياسة التعليمية التي أطلقت طموحات الناس في التعليم العام أو الجامعي غير العملي.. والتطلع إلي وظائف أصحاب الياقات البيضاء والمهن المرموقة. التي تضمن المكتب المكيف والسيارة الفاخرة. والحلم بالحياة الناعمة.. رغم أن بعض هذا كان يمكن أن يتحقق لو لم يتخل المجتمع عن مهن كثيرة شريفة صارت تمثل عجزاً كبعض الحرف بعد أن ازدراها واحتقرها الأهل والشباب رغم أنها مهن الآباء والأجداد التي كانت تسد فراغاً مجتمعياً هائلاً وتستوعب مثلها مثل الزراعة.. ونحن بلد زراعي في المقام الأول.. ملايين الشباب الذين يطرقون سوق العمل سنوياً.
وللأسف إن كلية الزراعة المناسبة لطبيعة بلدنا التي تواجه تجريفاً واعتداءً علي أراضيها الزراعية. لم يعد أحد يقبل عليها.. فلا زراعة ولا حرف يدوية أو فنية ماهرة بعدما كانت مصر تصدر العمالة الفنية إلي الخارج منذ عصر محمد علي فيما كان يعرف بعواصم ومدن دولة الخلافة العثمانية. وحتي دول الخليج والعراق وليبيا في السبعينيات.. ثم بدأنا بعد ذلك في الاعتماد في بعض مصانعنا علي العمالة الآسيوية.
وكان ذلك أمراً طبيعياً لأن آلة التعليم المتخلفة عن متطلبات وحاجة سوق العمل صارت في دورانها العكسي. وفعلت فعلتها الضارة ببلدنا وشبابنا.. فلا هي نجحت في مواكبة سوق العمل الداخلي أو الخارجي.. وعجزت الدولة بجهازها الإداري المكدس بالبطالة المقنعة علي استيعاب المزيد من أبناء ثورة التطلعات والحالمين.. وكم كانت الدهشة بعد ذلك أن هؤلاء الشباب اضطروا بعد ذلك إلي طرق سوق العمل الذي احتقروه من قبل مرة أخري. حتي ولو عمل بعضهم القليل في وظائف حكومية ولكنها لم تضمن لهم دخلاً حقيقياً يعينهم علي تكلفة الحياة الباهظة.. فصار من العادي أن يصارحك سائق السيارة لأوبر وكريم أنه موظف حكومي كبير. ولكنه يقوم بتحسين دخله.. أو الكهربائي بأنه خريج آداب والبائع في السوبر ماركت بأنه خريج تجارة.. وهذا ليس عيباً. ولكنه نتيجة منطقية لسوء التخطيط وثقافة الأسرة المصرية وسياسات التعليم الخاطئة.
* * *
يحدث هذا في بلدنا.. ولكن في بلد مثل ألمانيا. تلك الدولة الصناعية الكبري يتوجه أكثر من 90% من الطلاب الذين ينهون الدراسة الأساسية أو الإعدادية إلي التعليم المهني القائم علي "نظام ثنائي" أي الربط بين التدريب العملي والنظري في آن واحد.. وتشرف الدولة والقطاع الخاص علي هذا النظام معاً.. وتوجد حوالي 450 مهنة معترف بها. حيث يقبل الشباب بالدرجة الأولي علي تعلم مهنة ميكانيكي السيارات وكهربائي وميكانيكي آلات. بينما تقبل الفتيات علي مهنة البيع والحلاقة والأعمال المكتبية.
ونسبة المتقدمين للدراسة الجامعية تتراوح ما بين 6 إلي 10% وتعد الجامعة مركزاً للعلوم البحثية والأبحاث العلمية. والنظريات الفلسفية.. ورغم ذلك فإن هذا لا يمنع من إعداد الدارسين لممارسة مهنة فيما بعد مع اعتماد نظام التعليم الجامعي علي الجامعات العلمية المتنوعة في مجالات التخصصات العلمية والهندسية والتربوية بالإضافة إلي أن هناك تركيزاً علي المدارس العليا المتخصصة التي تقدم تعليماً وإعداداً علمياً متخصصاً في عدد كبير من فروع التخطط والاتجاهات العلمية ينتهي عادة بالحصول علي شهادة دبلوم يساعد في الانتقال مباشرة إلي الحياة العملية وفي نفس الوقت لا يحرم من يريد منهم مواصلة الدراسة بعد ذلك في الجامعات العلمية.
وما يحدث من نظام تعليمي عملي يتكرر في معظم دول العالم المتقدم والنامي.. أما عندنا فإننا أهملنا حتي مدارس التعليم الفني والتدريب المهني.. فهل مازال أحد يسمع عن مدرسة "الدومبوسكو" الإيطالية. التي كانت تخرج أمهر الفنيين المتعلمين؟!.. وأين مبادرات الشراكة في مثل هذا النوع من التعليم مع دول العالم. وكم نسبتها؟!.. وما مستوي خريجي التعليم الفني الصناعي أو الزراعي وما نسبته في التعلم العام في مصر بعدما اعتبر المجتمع خريجيها من أبناء البطة السوداء. الذين لا يستحقون التقدم لطلب الزواج من بنات الطبقة العليا أو الوسطي؟!!
إن المجتمع مطالب بتغيير ثقافته في مجال التعليم. ولابد أن نضع جميعاً أيدينا في أيدي كل حكومة ووزير جاد وشجاع لتطوير تعليمنا الذي يلقي بشبابنا عطالي علي المقاهي أو غرقي قبالة السواحل الأوروبية!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف