جمال سلطان
الإعلام وألقاب البابا وشيخ الأزهر ؟!
لا أدري لماذا يصر بعض كبار المسئولين في مصر على أن يذكروا العالم الخارجي دائما بأن الإعلام المصري يعيش أزمة حقيقية في ظل النظام السياسي الحالي ، لماذا يصرون على أن يعطوا البرهان المجاني على الحصار الخانق الذي يعيش فيه الإعلام ، سواء كان صحافة أو تليفزيون ، دون أي مبرر منطقي أو ضرورة تستدعي ذلك ، أحيانا لمجرد "الترف الرسمي" ، أو غياب أي جهد أو مساحة عمل جادة وحقيقية لدعم الإعلام فيتم الانشغال بمثل هذا اللغو واللهو .
أمس أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة مكرم محمد أحمد، قرارًا غريبا وعجائبيا ، يحظر بموجبه على وسائل الإعلام ذكر اسم كل من الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا تواضروس، دون أن يتقدم اسميهما بلقب فخيم ، تم إعداده وصكه في المجلس الأعلى وتعميمه على الجميع ، من أجل الالتزام الحرفي به ، وجاء نص القرار الأسطوري الذي صدر اليوم كالتالي: "على جميع القنوات التليفزيونية والشبكات الإذاعية العامة والخاصة، وكذلك الصحف القومية الخاصة يمنع تمامًا ذكر اسم شيخ الأزهر دون أن يسبقه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وكذا ذكر اسم البابا دون أن يسبقه قداسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية".
هذه القرار مثله مثل حالات كثيرة في بلادنا الآن ، لو سمعه أو قرأ عنه أي مراقب أجنبي سيعتبر أنه نكتة لا تتصل بواقع ، ولكنه الواقع المر الذي نعانيه ، ويعانيه كل مشتغل بالإعلام ، الذي تحول أكثره الآن إلى حوارات الفن والرياضة وأخبار الحوادث والجرائم وقصص ألف ليلة وليلة ، للهروب من أي شيء يتصل بالدولة أو النظام أو المؤسسات أو الهم العام في مصر ، ولكن أحدا لم يكن يتصور أن تصل الأمور إلى أن يعلمنا المجلس الأعلى للإعلام كيف نذكر اسم شيخ الأزهر أو بابا الكنيسة ، كثير هذا والله يا جماعة .
في عالم الصحافة والإعلام يجري التعامل مع أسماء الشخصيات العامة والمسئولة حسب السياق ، فأحيانا السياق يقتضي إظهار الاحترام والتفخيم ، وأحيانا السياق يقتضي العبور السطحي والسريع على الاسم واللقب ، أيا كان صاحبه ، دون عناية بالمنصب نفسه أو تفخيمه ، فيذكر رئيس أكبر دولة في العالم باسمه المجرد "بوتين" أو "ترامب" ، وفي عالمنا العربي نذكر السيسي أو بوتفليقه أو عون ، كما نذكر "الطيب" و"تواضروس" ، ليس من باب التقليل من الشأن ، وإنما من مقتضيات وطبيعة العمل المهني وبعده عن التكلف ، وهذا أمر يسري على الإعلام العالمي كله ، وليس في مصر وحدها ، فأن ينشغل الجهاز الرسمي المسئول عن إدارة الإعلام ودعمه وتيسير شئونه بمسألة أن يعلم الصحفيين كيف يذكرون اسم هذا المسئول أو ذاك ، فنحن هناك في مدارس محو الأمية ، أو ما قبل التعليم الأساسي ، أو في أحسن الأحوال في دوائر مجلات الحائط في المدارس .
ولا أعرف لماذا توقف الأعلى للإعلام في بيانه عند البابا أو شيخ الأزهر فقط ، لماذا لا يعطينا الصك المعتمد لذكر اسم الرئيس ، مثل أن نقول : فخامة السيد الرئيس القائد ، وسعادة السيد رئيس مجلس الوزراء ، وهلم جرا ، وهو ما ينتهي بمساحات الصحف إلى أن تكون عبارة عن استعراض ألقاب السادة الزعماء وكبار رجال الدين والسياسة ، ويصبح الصحفي أو المحرر الإعلامي مشغولا بضبط صياغة الوصف الذي يقدم به السادة المسئولين ، حسب الصك المعتمد ، قبل أن يكون مشغولا بالحدث نفسه أو بالبحث عن الحقيقة ، لأن الحقيقة الوحيدة المقبول منه عرضها هو ضبط ألفاظ الفخامة على السادة الكبار .
كئيب جدا هو هذا المناخ الذي نكتب فيه ونعمل فيه ، وموحشة تلك الأيام التي يعلمونا فيها كيف نكتب وكيف نذكر أسماء المسئولين ، وظلامي جدا ذلك المناخ الذي يبحث فيه رعاة الإعلام عن المزيد من القيود والتحذيرات والتنبيهات والتهديدات للعاملين في الصحافة والإعلام .