ما تركه لنا أبوالطيب المتنبي شاعر العربية الأعظم من حكمة ورؤي ونظريات حياتية وفكرية قوله:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
وعادي مجيبه بقول عداته
وأصبح في ليل من الشك مظلم
أتذكر هذه الأبيات وأنا أتابع شواذ الفكر الذين لا يرون في النور إلا النار المحرقة ولا في الطعام إلا ما يجلبه من أمراض لا ما يحققه من استمرارية الحياة ولا في المصلح الساعي علي حاجة الناس إلا أنه يسعي لمصلحة في نفسه "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء".
علي الجانب الآخر فإن الأسوياء من الناس عادة لا يظنون بالناس إلا خيرا لأنهم يترجمون بالظن ماهية أفعالهم التي تجنح إلي نفع الناس وإصلاح الفاسد من الأشياء.
أقول هذا بمناسبة أولئك الذين ادعوا علي الله - وحاشا الله - أن تشاء قدرته أن يكون في الجنة شذوذا مثلما يحدث في حياتنا الدنيا.. ففسروا قوله تعالي "ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا" بما في نفوسهم من زيغ وكما يري القارئ لسورة الإنسان لا يجد ما يشير إلي تفسيرهم هذا فأصحاب الجنة يخدمهم صبية مخلدون علي شبابهم وعلي أحجامهم لا يكبرون أو يهرمون كما أنهم حسان يسرون النفس إذا ما نظرت إليهم.
أما ما تصوره نفوس أولئك شواذ الفكر فلا نجد منه ذلك شيئا في الآية.
الغريب أن هؤلاء الذين قالوا لا نجدهم هاجموا مرة هذا السلوك الشاذ من بعض البشر ولا استهجنوه فكثير منهم صمتوا أمامه وكثير منهم قالوا إنه حرية شخصية داعين إلي عدم استهجانه.
كأنهم وهم يدعون علي الله ما لم يبح أو يفعل ويدعون علي القرآن ما لم يقل.. يريد أن يجعلوا من هذا السلوك أمرا مستساغا لا يستهجنه أحد بادعاءاتهم هذه حتي نكون كمن قال فيهم القرآن "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".
ما يقال عن هذا السلوك الشاذ يقال علي تصورات كثيرة خرجت من أجواف لا تبحث إلا عن المعوج من الفكر والسلوك تستنكف الصواب وتتهمه وتعييه لأن "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا".