بعض الزملاء من الصحفيين العرب يندهشون من أن شهر رمضان في مصر يرتبط دائمًا بالفنون.. مثل المسلسلات وبرامج المسابقات والسهرات الرمضانية حتي وجبتي الفطار والسحور يتم الإعلان عنهما كجزء من فقرات فنية احتفالية.. والحق انني لم أنتبه لذلك إلا من ملاحظة الإخوة العرب. والسبب الطبع انهم يسافرون إلي العديد من البلاد العربية واكتشفوا أن رمضان في مصر غير رمضان في مكان آخر.
وأنا أعتقد أن الحياة في مصر تختلف عن غيرها وليس في رمضان فقط. لأن كل المناسبات الدينية والوطنية نحولها إلي احتفال فني مثل حفلات الربيع في ليلة شم النسيم وليالي مولد السيدة زينب رضي الله عنها ومولد سيدنا الحسين رضي الله عنه. ونحن الذين اخترعنا فكرة صناعة وشراء حلويات المولد في ذكري مولد الرسول عليه الصلاة والسلام مع العروسة الحلاوة للبنت والحصان للولد. وهي أشياء غير موجودة إلا في مصر. لذلك فإن حب الاحتفال بالمناسبات ملمح جميل من ملامح الشخصية المصرية. وقد يكون في ذلك بعض العزاء كنوع من تجميل الحياة وجعلها تمر بحلوها ومرها ونقول ــ علي سبيل المثال ــ: "مش معقول ييجي رمضان وأنت زعلان مع مراتك أو يهل علينا العيد وأنت مخاصم أخوك".
ومع مرور السنوات الطوال أصبح الاحتفال بالأيام المباركة جزءاً من الحياة في مصر. وشهر رمضان في الستينيات كان الراديو علي قمة وسائل الإعلام التي تحتفل بالشهر الكريم. خاصة حلقات "ألف ليلة وليلة" في الاذاعة بعد الافطار. وكان صوت الراحلة العظيمة زوزو نبيل في دور شهرزاد هو أشهر الأصوات التي سمعناها في الطفولة. كذلك صوت سيد مكاوي وهو يغني أشعار فؤاد حداد ويقدم المسحراتي يوميا. وأيضا المسلسلات الإذاعية التي يغلب عليها الطابع الكوميدي لفؤاد المهندس وشويكار أو سيد الملاح وسهير البابلي إلي جانب الفوازير وهي ألعاب لتنمية الذكاء والمعلومات. وفي ظل كل هذه الاحتفالات ما أجمل صوت الشيخ سيد النقشبندي في التواشيح أو العبقري الشيخ طه الفشني والفريد من نوعه الشيخ محمد رفعت. والفنان الكبير الشيخ علي محمود والتي تربت أم كلثوم علي صوته وهي صغيرة.
الشعب المصري شعب فنان ولا يجب أن نخجل من ذلك. بل إن هذه هي احدي المواهب العظيمة التي منحها الله تعالي. وأنا مؤمن بأن كل مصري هو "فنان" علي طريقته سواء في عمله أو في طريقة حياته. والحمد لله أن هذا العام جاء وكل الأفكار المتطرفة القادمة إلينا من الصحراء تسقط واحدة بعد الأخري. وكل الذين قالوا إننا نقوم بتشويه الشهر الكريم بالفنون والاحتفالات سقطوا أو اضطروا أن يكونوا مثلنا عشاقا للفن والحياة.
أما المقارنة بين الماضي والحاضر فأعتقد انها مقارنة ظالمة. لأن الماضي لن يعود أبدًا والحاضر لا شيء يشبهه إلا الحاضر. ومهما كانت رداءة الفن الذي يقدم حاليا فإن الشعب المصري قادر علي الفرز وقادر علي التمييز بين الغث والسمين "..فقط مطلوب من الجهلاء أن يتوقفوا عن الكلام الفارغ في هذه الأيام المباركة .. وكل عام أنتم بخير.