محمد شعير
حملة مقاطعة الفضائيات فى رمضان
«القضية التى أمامنا بسيطة جدا وواضحة تماما»!. يروق لى أن أبدأ اليوم مقالى بتلك العبارة الشهيرة لصاحبها «الأستاذ حسن سبانخ المحامي»، الذى جسّد الفنان الكبير عادل إمام دوره فى فيلم «الأفوكاتو»، ليس فقط لأن «القضية» موضوع المقال أصبحت فى نظرى شديدة الوضوح، بل لأنها أيضا تُعد تعبيرا دقيقا عن «الحالة السبانخية» فى أنقى صورها، كما سأشرح لك!.
القضية التى أمامنا ليست جديدة، لكنها متواصلة، وأصبحت تتفاقم كل عام. القضية هى «مسلسلات رمضان»، أو دعنا نُسميها: «الفواصل الدرامية القصيرة داخل مسلسل الإعلانات الكبير». القضية سخيفة لكن تعال نبحث عن حل. لا بد أولًا من تشريح عناصر القضية، أو - بلغة أخري- محاولة «تسليك» أوراق السبانخ من بعضها البعض!.
«القضية التى أمامنا بسيطة جدا وواضحة تماما»، كالتالي:
هناك (فنانون) يبدعون عملا فنيا ويحصلون مقابل ذلك على (الملايين). لماذا؟.
لأن هناك (قنوات فضائية) تشترى هذا العمل من الفنانين وتدفع فيه (الملايين). لماذا؟.
لأن هناك (مُعلنين) يطلبون من هذه القنوات إذاعة إعلاناتهم فى أوقات عرض ذلك العمل الفنى ويدفعون مقابل ذلك (الملايين). لماذا؟. (ركِّز معى الآن جيدا).
الإجابة هي: كل هذه (الملايين) السابقة هى بسبب أن كل الأطراف تعرف جيدا - وفقا لحسابات دقيقة- أن هناك (ملايين المشاهدين) الذين يجلسون كل عام خلف الشاشات مترقبين متابعة الأعمال الفنية لنجومهم المحبوبين.
كل ما سبق لا يضايقنى فى شيء. ولا أعضُّ شفتيَّ من الغيظ - مثلما يفعل كثيرون- عندما أسمع أرقام الملايين التى يحصل عليها الفنانون، فكل صناعة لها سوقها، «واللى يجيب فلوس لازم طبعا يأخذ فلوس»، ولاحظ أننا نتحدث هنا عن نشاط قطاع خاص، لا أموال دولة، حتى لا يزايدَنَّ أحدٌ علينا، فنزايدُ فوق مزايدةِ المزايدينَ!.
إذن؛ كل هذه الملايين لا تضايقني، لكن بشرط!.
الشرط هو أن تكتمل العملية، وأن تتم وفقا للعقد المتعارف عليه؛ تعال نسمِّيه «العقد الاجتماعى للمشاهدة»، بأن نحصل كمشاهدين على حقوقنا. كيف؟. (ركِّز معى هنا أيضا لو سمحت).
نحن - ملايين المشاهدين- ارتضينا ضمنيًا أن يكون نصيبنا من القسمة «نصيبا معنويا»، هو متعة المشاهدة وحسب، وبرغم أننا نمثل الطرف المُرجِّح فى «المعادلة» الذى يكسب الجميع بسببه الملايين، فإننا لم نطلب سوى أن نحصل على «عمل فني» يمتعنا، نحلم معه، ونفكر به، نفرح ونتألم، نضحك ونبكي. نريد فقط فنًا حقيقيًا، فهل هذا صعبٌ جدًا؟!.
أيُعقل - ونحن الجماهير الغفيرة صانعة المجد لغيرها برضاها - أن نحضر القسمة دون أن نقتسم؟!. أين هى متعة الفن - مهما يكن العمل محترما- فى مشاهدة ثلاثة مَشَاهد تعقبها ربع ساعة من الإعلانات وأكثر؟!. وما السبب فى كل هذا الزحام على شهر الصيام؟!. من سماه أصلا «موسم الدراما الرمضانية»؟!. ولماذا؟!. ربما كان ذلك مناسبا فى الماضى عندما كانت لدينا قناتان فقط فى التليفزيون المصري؟!. لكن الآن مع تغير الأحوال ألا يمكن فك هذا الارتباط أم أنه «موسم قهرى»؟!. أعلم جيدا أن تغيير أوضاع راسخة ارتبطت بمصالح متشعبة يحتاج إلى سنوات لكن لماذا لا نبدأ؟!. بل إننا بدأنا بالفعل!. ألم تنجح مسلسلات مثل «الطوفان» و«أبو العروسة» وغيرها نجاحا كاسحا - بفضلنا نحن أيضا كجماهير- خارج الموسم الرمضاني؟!. لماذا لا نبنى على هذا؟!.
أخيرا.. هذه دعوة صريحة من كاتب هذه السطور لشن «حملة مقاطعة الفضائيات فى رمضان». «جعلوها إن أردتم - على الإنترنت- «هاشتاجا». تعالوا نفعل شيئا حقيقيًا. نحن - ملايين المشاهدين- لم نحصل على حقنا، بل يتم استغفالنا، لذا دعونا نعلن انسحابنا. والبديل هو متابعة المسلسلات على المواقع الإلكترونية للمشاهدة، لتنخفض نسب مشاهدة الفضائيات، وهو ما بدأ بالفعل، لكنه لو زاد أكثر ربما تهاوت عروش المنظومة، وتغيرت قواعد اللعبة، بالتدريج عبر سنين، لا بأس، حتى يعود الاحترام للمشاهد. لا سبيل - بكل أسف- سوى انسحاب الجماهير من المعادلة الحالية، لأجل الفن لا ضده، ففى «الحالات السبانخية» لا يمكنك أن تحاول «تسليك» الأوراق الملتفة حول بعضها البعض؛ فإما أن تغوص فى الطبق بكامله كما هو، وإما تعلن ببساطة أنك لم تعد تحب السبانخ!.