الأهرام
عماد رحيم
لعل المانع خير
يظل عجز الموازنة العامة للدولة، السبب الرئيسى لفرض سياسات اقتصادية حازمة لتقليله، ومن هذه السياسات الوصول بأسعار السلع والخدمات الحكومية لأسعارها الحقيقية، فنسبة كبيرة من عجز الموازنة، سببها تقديم السلع والخدمات بأسعار أقل كثيراً من سعرهاw الحقيقي، مساهمة من الدولة فى دعم نسبة كبيرة من المواطنين، لا تستطيع دفع السعر الحقيقي. وعلى مر سنوات كثيرة، شهد موضوع الدعم تغيرات واضحة، كانت بغرض توصيله لمستحقيه، إلا أن الحقيقة التى لم تقبل الخلاف حولها، أن الدعم ذهبت نسبة ليست بالقليلة منه لطبقة من المستغلين، وبالمقابل ضلت طريقها للمستحقين! أضف لما سبق زيادة عجز الموازنة سنة تلو الأخري، حتى وصلت لرقم مخيف، بات يوجب التحرك السريع لمعالجته، بشكل جذري، وهذا ما يفسر تحريك أسعار الخدمات والسلع الحكومية.

ولكنى اليوم أتحدث عن بعض البدائل التى تبدو أنها غاب عن حكومتنا الالتفات إليها، بسبب انشغالها بعلاج العجز المزمن للموازنة، بدائل قد يكون تفعيلها، بابا لحصد بعض الأموال التى تقلل بالتبعية عجز الموازنة، بل وتحسين كثير من الخدمات المهترئة التى نعلمها ولا نحتاج للتذكير بها. فى بلدنا بحسب تقدير الخبراء 20 مليون وحدة سكنية مخالفة، جزء كبير منها مأهول بالسكان، تستهلك كهرباء بنظام المقايسة، وبعض منها لا يصلها أى نظام محاسبة، لتدخل ضمن نظام الفاقد التى أعلنت عنه وزارة الكهرباء، وقدرته بنحو 10 % من قيمة الإنتاج، السؤال، لماذا توقفنا عن انتاج العدادات الكودية التى يتم تركيبها للوحدات المخالفة لحساب تكلفة استهلاكها للكهرباء، ومن ثم محاسبتها عليه؟ ومتى يصبح الفاقد من إنتاج الكهرباء صفرا؟. أليس من الأجدى العمل على منع هذا الفاقد قبل رفع أسعار الكهرباء؟ وهذا ينقلنا لنقطة أخرى متعلقة بحساب قيمة المياه، كيف تحسب الدولة قيمة المياه المستهلكة لهذه الوحدات المخالفة؟ وهل قرار فرض غرامة على غسيل السيارات بقيمة 10 آلاف جنيه، كاف لمنع هدر المياه؟ وماذا عن المياه المهدرة فى حمامات السباحة، ورى ملاعب الجولف وغيرها؟ أيُعقل أن تستمر هذه المشاهد ونحن نئن من عجز واضح فى توفير المياه، للدرجة التى جعلت الدولة تُرشد زراعة الأرز لتوفير ما يفوق 2 مليار متر مكعب مياه، لأننا ننتج أرزا أكثر من احتياجاتنا، بنفس قيمة التوفير، ومع تثمين القرار من الناحية النظرية، إلا أن هدر المياه الصالحة للشرب فى أغراض أخري، يظل أمراً مستفزاً!.

ثم لماذا لم يخرج قانون التصالح فى مخالفات البناء إلى النور حتى الآن، وقد قال الخبراء منذ بضع سنوات، إنه سيضخ لموازنة الدولة 200 مليار جنيه، وبأسعار اليوم قد يتضاعف المبلغ؟, فالتصالح حال حدوثه، سنجنى من ورائه عدة فوائد، أولها، تقنين الأوضاع الخاطئة، بما يؤدى لدفع الغرامات اللازمة التى قد تصل لـ 400 مليار جنيه بأسعار 2018، ثانيها، ضمان محاسبة كل الوحدات بشكل سليم عن استهلاكها للكهرباء والماء، بما يؤدى أيضا، لزيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة، وتحسين جودة هذه المرافق.

أمر آخر يحتاج لتفسير، تضاعف عدد مركبات التوك توك بشكل واضح، وقُدرت أعدادها بحوالى 3 ونصف مليون مركبة، تسمح الدولة باستيرادها، وتصنيعها، ولكن تمتنع عن ترخيصها!. فترخيصها، يعنى وجود ملف لكل مركبة به بيانات مالكها، بما يعنى حال حدوث تجاوز من أحدها سيسهل الوصل إليه، أضف لذلك دفع مقابل الترخيص والضرائب المطلوبة، والمخالفات حال حدوثها، وكلنا على يقين تام، بأنه لن يتم منع سير التوك توك، فيكون السؤال، إلى متى منع ترخيصه، وضياع أموال تحتاجها موازنة الدولة، ومن المسئول عن هدر هذه الأموال حتى الآن؟

فى بلدنا عدد كبير جدا من المقاهى المخالفة، تستهلك مياها و كهرباء بشكل مخالف، بين الحين والآخر، تمر بعض حملات الإزالة على عدد صغير منها، حفظا لماء الوجه، بصرف النظر عما تسببه من كل درجات الإزعاج و التلوث، إلا أنها تحقق أرباحاً كبيرة، بطرق غير مشروعة، ولا تدفع الضرائب المستحقة عليها، فإلى متى السكوت على هذا الوضع الغريب، لماذا السماح بعملها دون وجود ترخيص يتم دفع مقابله، من المسئول عن هذا الهدر وإلى متي؟

وأضيف مثالاً كنموذج على حال من يتربحون دون أن يدفعوا أى أعباء ضريبية، قال لى أحد المزارعين إنه يبيع كيلو البطاطس بعد حصاده بأقل من جنيه، ويشتريها المستهلك بسعر يفوق الـ 5 جنيهات، أى إنها تصل لنا بسعر يفوق سعرها بـ 400 % زيادة، أليس هذا مبلغاً مبالغاً فيه، هل كل ذلك مقابل النقل وما شابه؟ هل تم تقنين حال تجار التجزئة؟ لا، لماذا؟

البدائل السابق الإشارة إليها من شأنها أن تدر دخلا مباشرا للموازنة العامة للدولة بمليارات يصعب حصرها، بالإضافة إلى دخل سنوى نتيجة تحصيل الضرائب المستحقة، وكلها أفكار قابلة للتحقق، لو تم التفكير فى تنفيذها بالجهد اللازم، جهد سيجعلنا نجنى مبالغ نحن فى أمس الحاجة إليها، لتغير واقعا صعبا، فرضته علينا أيام مضت كنا نعانى فيها فسادا أكل من قوتنا الكثير والكثير، حلول تأجيل تنفيذها يجعل الناس تسأل لعل المانع خير؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف