الجمهورية
محمد أبو الحديد
آخر الأسبوع - بانوراما عالمية
لم تعد هناك قضية أو أزمة سياسية في العالم مستقلة بذاتها. أو منفصلة عن غيرها من القضايا والأزمات.. هناك دائما تشابكات وتقاطعات بين كل ما يجري في العالم من أحداث وتطورات.
أزمة الاتفاق النووي المشتعلة الآن بين أمريكا وإيران مثلا. وثيقة الصلة بما يسمي "صفقة القرن" التي تزمع أمريكا الكشف عنها منتصف الشهر القادم. ويطرح الرئيس ترامب من خلالها "مشروعه" لحل القضية الفلسطينية. وتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. بعد أن انتهي من وضع اللمسات الأخيرة عليه.
والاثنان: الأزمة.. والصفقة. لا ينفصلان عن مشروع الشرق الأوسط الجديد. الذي سبق لأمريكا طرحه خلال إدارة الرئيس السابق أوباما. ويعاد الترويج الآن للنسخة المعدلة له.
ولا ينفصل كل ذلك عن أزمة البرنامج النووي والباليستي لكوريا الشمالية. وتطورات قضية القمة المرتقبة بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي.
وستجد أن ذلك جزء لا يتجزأ من الصراع الأمريكي - الروسي. ومن التحالف الروسي - الصيني. ومن مثلث روسيا - إيران - تركيا في الشرق الأوسط. بل ومن أوروبا الموحدة مع أمريكا أو المنقسمة عليها.
ولو تعمقت في التفاصيل. لاكتشفت أن هناك "محركات" وراء الكواليس لكل هذا الذي يجري. مثل اكتشافات جديدة للبترول والغاز. وأسلحة متطورة حديثة تم إنتاجها ويراد تجربتها أو التسويق لها. وصفقات هائلة بمئات المليارات من الدولارات يجري السعي إليها.
وأن لكل هذه القضايا جميعا امتدادات تكاد تطال. بصورة أو أخري. كل دول العالم بلا استثناء.
وأنه بينما أنت وأنا. من خلال متابعتنا لهذه القضايا والأزمات وتطوراتها. نصاب بالذهول من حجم التشابكات والتعقيدات التي نراها. وتكاد تحجب الرؤية الصحيحة عن أي مراقب أو متابع. فإن الأطراف الرئيسية في كل هذه القضايا والأزمات. لا تشعر بذلك. فكل طرف يعرف هدفه جيدا. ويحفظ مصلحته مع من وضد من. ولا يغفل عن ذلك أبدا.
ومصر. والمواطن المصري. طرف. بإرادته أو رغما عنه. في كل هذه القضايا. تأثيرا أو تأثرا.. بل طرف فاعل بحكم أن مصر تقع في قلب "المعمعة" ولها علاقات بالجميع. وتمثل رقما في كل هذه المعادلات لا يمكن لأحد تجاهله. أو تجاوزه.
إن نظرة واحدة - علي سبيل المثال - لقائمة الشروط والمطالب الأمريكية الموجهة لإيران. والتي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب علي لسان وزير خارجيته "بومبيو". وتتضمن 12 شرطا أو مطلبا. سوف تكشف أن هذه القائمة تحمل إلينا نحن دول الشرق الأوسط. رسالة ثلاثية الأبعاد. وبالغة الوضوح تقول:
1- إيران هي العدو الأول لدول المنطقة. والخطر الأكبر عليها.
2- إسرائيل هي إحدي دول المنطقة المهددة بالخطر الإيراني.
3- أمريكا ترامب هي من ستعمل علي إنقاذ المنطقة من الخطر الإيراني وتخليصها منه.
إن النصف الأول من القائمة يركز علي أسلحة إيران النووية والباليستية. بينما النصف الأخير ويتضمن 7 مطالب أو شروط يغازل كل دول المشرق العربي تقريبا:
إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بما فيها حزب الله "لبنان" وحماس وحركة الجهاد الإسلامي "فلسطين".
احترام سيادة الحكومة العراقية - وقف دعم المليشيات الحوثية في اليمن والعمل علي التسوية السياسية - سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا - إنهاء دعم طالبان والقاعدة في أفغانستان والمنطقة - إنهاء دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري للإرهابيين في العالم.
ثم تأتي الصياغة الملفتة للمطلب أو الشرط الأخير. إذ يقول نصه: وقف تهديد "جيرانها" بما يشمل تهديدها بتدمير إسرائيل.. والصواريخ التي تستهدف السعودية والإمارات.. فضلا عن تهديدها للملاحة الدولية.
وبالطبع فإن ذكر تهديد إيران للملاحة الدولية يتضمن إشارة مبطنة إلي باب المندب.
ومعني ذلك أننا جميعا في خندق واحد ضد العدو الأوحد والخطر الأكبر وهو إيران.
ولا جدال في أن إيران تشكل الآن خطرا وتهديدا حقيقيا لدولنا.. لكن هذا جزء من الحقيقة وليس كل الحقيقة فهي ليست الخطر الوحيد. ولا التهديد الأكبر وأن أمريكا لم تكن غائبة أو مغيبة عن كل ما يجري لدول المنطقة من جانب إيران أو غير إيران من بداياته.
لكن الصياغة الأمريكية هي جزء من تمهيد المسرح السياسي العربي والشرق الأوسط لاستقبال صفقة القرن.. هذه رؤية شخصية. واجتهاد فردي قد يصيب وقد يخطئ.
أزمة الاتفاق النووي الإيراني انعكست علي الصفقة المرتقبة بين أمريكا وكوريا الشمالية.. فيبدو أن الزعيم الكوري الشمالي قد شعر. أو أن أحدا قد نبهه بأنه تسرع بالإعلان مسبقا عن استعداده للتخلي عن برنامج بلاده النووي والباليستي. مقدما بذلك هدية مجانية لترامب من قبل أن يبدأ التفاوض. بعد أن رأي أن الرئيس الأمريكي لا يحترم حتي الاتفاقيات التي أبرمتها بلاده ووقعت عليها.
وبالفعل. كان سلوك الزعيم الكوري الشمالي في البداية مثيرا للاستغراب.. فقد تحول بين عشية وضحاها من قمة التحدي لأمريكا. والإصرار علي الاستمرار في برنامجيه النووي والصاروخي. إلي الاندفاع في تقديم تنازلات ووعود مجانية بوقف وتفكيك ذلك كله قبل أن يبدأ التفاوض.
ولذلك بدأ الزعيم الكوري الشمالي في محاولة التراجع من خلال البحث عن ذرائع. وبدأت الشكوك تحيط بالقمة المرتقبة. وكتب ترامب نفسه أن احتمال تأجيلها وارد.
الأحداث تتوالي الآن علي ثلاثة مسارح.. مسرح الشرق الأوسط.. والمسرح الكوري الشمالي - الأمريكي. حيث التأثير الصيني والروسي حاضر بقوة.. ثم المسرح الأوروبي حيث المواجهة حول الاتفاق النووي بين أمريكا المنسحبة من الاتفاق. وبين بريطانيا وألمانيا وفرنسا الموقعة عليه والرافضة لتغييره. ومعها أيضا روسيا والصين.
وهذه فترة.. القابض فيها علي وطنه. كالقابض علي جمرة.. أعان الله من يمسك بالدفة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف