الجمهورية
فهمى عنبة
العيب لم يكن أبدًا فينا!!
نحتاج جميعًا لوقفة صادقة مع النفس.. وفتح عقولنا وقلوبنا والتحدث بكل صراحة لمعرفة العيوب الدخيلة علي أخلاقنا والتي لم تكن أبدًا فينا.. وأمامنا فرصة ذهبية لتغيير التشوهات التي طالت الشخصية المصرية التي لم تعرف العيب والبجاحة والتطاول و....!!
ماذا أصاب المصريون الذين كانت الدنيا تتحدث عن كرمهم وطيبتهم وشهامتهم وإغاثتهم للملهوف واحتضان الغرباء وابتسامتهم التي لا تفارق الشفاه.. ورغم قسوة الحياة عليهم وظروفهم الاقتصادية الصعبة.. إلا أنهم راضون بعطاء الله ولا ينظرون لما في أيدي الشعوب الأخري أو جيرانهم؟!!
هل ضاعت الشهامة والمروءة.. أم أن الثقة بين الناس هي التي ضاعت.. ولم يعد إنسان يصدق أخاه أو يعتقد أن هناك من يحمل الخير في قلبه؟!
بصراحة.. هل يخاف المصريون من بعضهم في هذا الزمان ويأخذون حذرهم عند التعامل معًا.. ويؤثرون السلامة ويبتعدون عن "وجع الدماغ" إذا استغاث بهم من يطلب المساعدة في الطريق العام.. ولماذا يترددون كثيرًا في تلبية نداء فتاة وامرأة تتعرض للأذي أو للتحرش أو يرون شخصًا ينهال ضربًا علي طفل بلا رحمة أو شبابًا يتشاجرون فلا يتدخل أحد يصلح بينهم ويفض المشاجرة؟!
الأخلاق "بعافية"!!
** تذكرون جميعًا.. أن المصري كان يسارع لإغاثة الملهوف ويهب لنجدة المحتاج وكانت شهامته تسبقه إذا سمع صراخ سيدة في الشارع ولا يفكر فيما سيحدث له.. وكان يتدخل بالنصيحة أو بالفعل لوقف اعتداء "أسطي" بالضرب علي صبيه "بلية".. بل كان رحيمًا بالحيوان ويعاتب أي "عربجي" ينهال "بالكرباج" علي "البغل أو الحمار" الذي يقود العربة "الكارو".. نعم لم يكن المصري سلبيًا أبدًا وكان يعاون كل من يحتاج سواء يعرفه أو لا علاقة له به.. أما الآن فربما لو رأي أسرة تريد تغيير إطار السيارة في الطريق الصحراوي أو في منتصف الليل أو تحتاج سيارتها إلي "زقة" فيجري من أمامهم!!
انتشر في السبعينيات من القرن الماضي الانتقال عن طريق "الأتوستوب" وكان الشخص يشير بإصبعه لأي سيارة فتأخذه معها في طريقها.. وذلك شجع الآخرين علي الوقوف أمام محطات الأتوبيس وأخذ الطلبة والعائلات أو العجائز لتوصيلهم إلي مدارسهم وكلياتهم وأعمالهم دون مقابل "أي قبل أوبر وكريم بعشرات السنين ومجاناً".. وكان من النادر أن تري سيارة ملاكي بها شخص واحد.. وكنت أخجل من الجلوس في سيارتي منفردًا بينما محطات الأتوبيس تكتظ بالمواطنين.. فماذا سأخسر لو أخذت ثلاثة أو أربعة لتوصيلهم.. خاصة أن صديقاً لنا كان يقول إن لكل شيء زكاته.. ونقل الناس معك هو زكاة سيارتك.. فلماذا لا نري مثل ذلك الآن.. وهل يمكن عندما تشاهد زحام الركاب علي المواقف والمحطات أن تفكر مجرد التفكير في توصيل أحدهم.. يا تري ما هو السبب في هذا التغيير في سلوك المصريين وجعل أخلاقهم "بعافية"!
العجيب أنه لو حدثت المعجزة في هذه الأيام وكان هناك شخص يقف لأخذ 3 أو 4 ركاب من محطة الأتوبيس لتوصيلهم في طريقه بسيارته.. فإن نظرة الناس تكون له مختلفة عن زمان.. وبدلاً من الشكر والامتنان.. تجد من يتوجس منه خيفة ومن ينهره "يالا امشي من هنا.. إحنا عارفين جاي لينا منين وحتعمل فينا إيه؟".. وآخرون يتهمونه بالمنظرة أو "المعاكسة" أو إنه محتال سيخطفهم ويبيع أعضاءهم كقطع غيار.. فإلي هذا الحد فقدنا الثقة فيمن يريدون فعل الخير وتشويههم!!
علاج النتائج.. أهم من الأسباب!!
** هناك أسباب نفسية واجتماعية متعددة وعلي علماء النفس والاجتماع دراستها جيداً وتحليلها والأهم علاج نتائجها.. فمهما كانت الأسباب فقد أدت إلي الخوف من بعضنا وفقدان الثقة تماماً في كل من حولنا.. ولم يعد هناك من يأمن للآخرين أو يصدقهم بسهولة حيث يسبق سوء الظن أي نية حسنة.. لذلك يقول الشخص الذي يحجم عن تقديم المساعدة ما أدراني أن الفتاة التي تستغيث في الشارع هي التي "تتبلي" علي الرجل.. أو أن هناك اتفاقاً بين الصبي والأسطي الذي يضربه علي افتعال "الخناقة" لسرقة من يتدخل لفضها أما قائد السيارة الذي يريد دعوة شخص للركوب معه لتوصيله فإنه سيخطفه وقد يقتله ويأخذ السيارة أو علي الأقل هو لص محترف يقوم بتثبيته وسرقة الموبايل وما خف حمله.. هل أصبحنا بهذا السوء.. وهل كل الناس لصوص ويضمرون الشر للآخرين حتي يظل هذا الهاجس مسيطراً طوال الوقت لدرجة تزايد التحذيرات التي يقولها كل أب لابنائه كلما خرجوا من البيت أو النصائح التي يتناقلها المواطنون علي مواقع التواصل الاجتماعي بأن يحترسوا ممن يطلب المساعدة أو ممن تصرخ من التحرش؟!
هذا جزء من التغيير.. والأكبر منه الانفلات في القول والفعل من شتائم وضرب وضيق خلق وعدم قبول أعذار وافتراض سوء النية وتجنب المخطئ للاعتذار.. بخلاف العادات والتقاليد التي تبدلت "وهذا ليس مجاله".. ولكن علينا أن نعترف أن ضرب جذور الشخصية المصرية بدأ مع تغيير تركيبة المجتمع بعد الانفتاح الاقتصادي ومع الأيام وصلنا إلي ما نحن فيه من شك في أنفسنا وخوف من بعضنا وعدم الثقة في أي شيء؟!
بالطبع.. لا ننكر وجود جرائم سرقة بالإكراه.. ونسمع عن تثبيت للمواطنين كل يوم.. وهناك حوادث خطف وسرقات.. ولكنها أشياء تحدث في أي مجتمع.. وكانت تقع منذ سنوات وستظل إلي الأبد خاصة في شعب زاد علي 100 مليون.. وذلك لا يستدعي المبالغة في التحذير.. ولا المبالغة الأكبر في النشر في التداول عبر مواقع التواصل لأنه تسبب في تخويف المصريين من بعضهم وزاد من حدة الاغتراب وأدي إلي تغيير الأخلاق التي بدونها لا تعيش الأمم وإذا فقدناها لا يكون المصري هو المصري الذي عرفته الدنيا منذ الأزل!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف