الجمهورية
سمير رجب
خيوط الميزان
تقرير سياسي عن أحداث الساعة
أرقام.. ومقارنات.. ليست لتسلية الصيام ولكن :
الوسطية.. عامل أساسي لاستقرار المجتمع..!
ليس معقولاً أبداً.. أن ننفق 7 مليارات جنيه خلال الأسبوع الأول من رمضان!
هل يمكن أن تكون مهمتنا في الحياة.. "أكل وشرب" فقط..؟!
الله سبحانه وتعالي جعل الصوم طريقاً للتعبد.. وللعمل أيضاً..
¼ السهر أمام شاشات التليفزيون.. وتدخين الشيشة في المقاهي و"الخيم" يحولان دون الاستيقاظ المبكر.. وليس مهما.. تراجع الانتاج
¼ والآن.. كفي "ياميش".. وتعالوا نقاطع هؤلاء التجار المستغلين..!
رفعوا الأسعار بنسب خيالية.. وكالعادة.. تعويم الجنيه الشماعة
أخيراً.. مصر هي التي تحركت مع بداية الشهر الفضيل.. لإغاثة جرحي غزة
أنات النساء والأطفال.. وجدت صداها الفوري والإنساني.. لدي الأشقاء الكرماء
إسرائيل تتهم "حماس" باستخدام "الأبرياء" دروعاً بشرية وتهدد بإبادتهم.. فماذا بعد..؟!
هذه الأرقام الواردة في المقال هل تستطيع أن تعبر بنفسها عن نفسها..؟!
الإجابة ليست السهولة بمكان..!
أيضاً.. المقارنات بين الأمس واليوم.. أو بين شعب وآخر.. هل تعمدت ذكرها لمجرد تسلية الصيام..؟!
بالعكس.. إنها أرقام.. ومقارنات تستحق التوقف أمامها طويلاً.. والتمعن فيما تحتويه.. إيماناً منا.. بأن الوسطية تعد العامل الأساسي لاستقرار المجتمع.. أي مجتمع..!
وللأسف نحن في مصر نتخطي حدود الوسطية بكثير.. وكثير جداً بالنسبة لطعامنا وشرابنا خصوصاً في شهر رمضان..!
مثلاً.. هل من المعقول أن ننفق 7 مليارات جنيه في الأسبوع الأول من الشهر بواقع مليار جنيه يومياً علي موائد تمتد أحياناً لتشمل العشرات وتقصر أحياناً أخري لتضم أقل القليل.. لكن في الحالتين.. الأكل هو القاسم المشترك الأعظم..!
ودعونا نستعرض هذه الأمثلة التي لابد وأن تستفز مشاعرنا رغم أننا المحركون الأساسيون.. والفاعلون الأصليون.
التهمنا خلال هذا الأسبوع 28 مليون دجاجة "متوسطة الحجم" وسبعة آلاف طن لحوم.
تسلينا في وجبة السحور بـ 15 ألف طن فول مدمس.
¼ ولأن "الأرز" ضيف عزيز.. فلم يهدأ بالنا إلا بعد أن قمنا بالواجب معه واستهلكنا منه نحو 113 ألف طن علي مدي تلك السبعة أيام بزيادة قدرها 100% مقارنة بباقي شهور السنة.. وأعتقد أن هذا يكفي لكي نلتقط الأنفاس.. أثناء الـ 21 يوماً القادمة في شهر رمضان.. لعل تلك الأرقام والإحصائيات تجعلنا نعيد حساباتنا نحو أنفسنا ونحو الوطن بصفة عامة فليس من المنطق في شيء.. أن نركز جل همنا علي الطعام والشراب.. وكأنها تلك مهمتنا الوحيدة في الحياة.
بالعكس.. الله سبحانه وتعالي جعل من شهر رمضان طريقا للتعبد وإتاحة الفرصة للقادر لكي يعيش حياة البائس الفقير لا أن يدخل في منافسة حامية الوطيس مع الأهل والأصدقاء التي تؤدي في النهاية ضمن ما تؤدي إلي فقدان الهدف الديني الأسمي فضلاً عن الإضرار بالصحة متناسين جميعاً أن صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم كانوا يكتفون بتمرة أو تمرتين مع قليل من اللبن.. دون أن يشكو أحد منهم من الجوع.. أو الحرمان..!

علي الجانب المقابل فإن الله سبحانه وتعالي حينما شرع الصوم.. فلم يأمر الناس بالكسل والتخاذل والتمسح في أردية الدين.. بل إنه دائماً يحث علي العمل.. وعلي الكد.. والاجتهاد.. ليس هذا فحسب.. بل مطالباً كل من يؤدي عملاً بضرورة أن يتقنه.. ومنبهاً إلي أن العاملين لا يستوون أبداً مع غير العاملين..!
للأسف أيضاً.. متوسط انتاج الفرد يقل في شهر رمضان سواء في مصر أو خارجها.. هكذا تقول الأبحاث التي تضطلع بها بعض المراكز والأجهزة المتخصصة..!
والأغرب .. والأغرب.. أن العبارة التقليدية القديمة : "اللهم إني صائم" مازالت تتردد علي الألسنة.. كنوع من التهرب من تحمل المسئولية في شهر رمضان بينما المفترض أن نذكر أنفسنا ليل نهار بالحكمة من فرض الصيام التي تقوم ــ كما أشرت آنفا ــ علي الصبر والتحمل.. والإحساس الصادق بمشاعر الآخرين.

أنا شخصياً.. أري أن كل تلك الظواهر باتت طبيعية بالنسبة لأناس يمضون الجزء الأكبر من الليل وهم يتابعون مسلسلات التليفزيون التي زادت عن حدها بما يثير الاستفزاز والاستياء معا.. أما الجزء الآخر.. فتشهد عليهم "المقاهي" والخيم الرمضانية التي تحتل فيها الشيشة الجانب الأكبر..!
بالله عليكم.. كيف يتسني لنفس هؤلاء الناس.. الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلي مقار عملهم سواء في المصنع أو المزرعة أو مرفق الخدمات أو حتي الجامعة أو المعهد..؟؟

دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا ونعترف بأن الاستمرار علي نفس النهج يضر إضراراً كبيراً بالفرد والمجموع سواء بسواء.
يعني أنت وأنا سوف نجني آثاره السلبية.. في نفس الوقت الذي يتعرض فيه الاقتصاد القومي للخطر.. علي الجانب المقابل نبذل المستحيل من أجل دفع عجلة هذا الاقتصاد للأمام وبث الدماء في شرايينه من مختلف الاتجاهات وشتي النواحي..!
¼ ¼ ¼
ثم.. ثم.. أحسب أنه لا ينبغي أن يمر الأسبوع الأول من شهر رمضان دون أن تكون لنا وقفة أمام هؤلاء الجشعين المستغلين من تجار الياميش الذين رفعوا الأسعار بما لا يتواءم مع الواقع ويتعدي آفاق الخيال..!
أمثال هؤلاء يجب أن يلقنوا درساً بصرف النظر عن "التوقيت"..!
فلنعمل من اليوم علي مقاطعتهم إذ يكفيهم ما حققوه من مكاسب طائلة..!
أمامهم.. وأمامنا 21 يوماً لا نشتري منهم بلحة "واحدة" حتي يعرفوا أن الله حق.. وحتي نضطرهم إلي الكف عن تعليق كل جشعهم وطمعهم علي شماعة تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار التي باتت مضغة في أفواه الجميع من أول منادي السيارات حتي مستوردي الجاجوار.. والأمبورجيني والمكلارين.. وغيرها.. وغيرها..!!
¼ ¼ ¼
ثم.. ثم وحتي نكون منصفين مع أنفسنا.. فإن هذا الشعب هو الذي بادر ــ كعادته ــ بإغاثة الجرحي والمصابين من الفلسطينيين الذين تعرضوا لرصاصات الغدر والطغيان من جانب اسرائيل..!
لم يكن واردا أبدا في أذهان المصريين وقيادتهم أن يتخاذلوا عن تلبية النداء في شهر رمضان العظيم..!
للأسف الرصاصات الهوجاء دمرت الأجساد الواهنة فمنها ما خلف عاهات مستديمة ومنها ما استقر في الصدور.. أو اخترق الرقاب والأذرع والأرجل..!
علي الفور أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قراره بفتح معبر رفح بصفة استثنائية مع تعليمات مباشرة بنقل هؤلاء المغلوبين علي أمرهم إلي المستشفيات المصرية.
لم تنتظر مصر إجراءات مماثلة من أية دولة عربية.. لأنها لم تتعود الانتظار في مثل تلك المواقف الإنسانية الموجعة..!
وهنا لابد من الإشارة إلي نقطة من الأهمية بمكان ألا وهي أننا دائماً نتصرف تصرفات الكبار.. لا نغير مبادئنا بسبب شطحة هذا أو تهور ذاك فالقيمة عندنا قيمة والمعني النابع من ذاتنا معني.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن إسرائيل تحمل حركة حماس مسئولية ما جري للمدنيين من نساء وأطفال ورجال بحجة أنها استخدمتهم كدروع بشرية ودفعتهم دفعاً للمواجهة مع القوات المدججة بالسلاح وهم الذين لا يحملون في أياديهم.. ولا حتي غصن شجرة..!!
وتزعم إسرائيل أنهم حينما تخطوا الحدود لم يكن أمامها سوي الرد عليهم..!
طبعاً منتهي القسوة والجبروت لكن هذا الكلام لا يجب أن يمر مرور الكرام وبالتالي فإن السؤال الذي يدق الرءوس بعنف.
وماذا بعد..؟!
هل يتوقف الفلسطينيون عن المطالبة بحقوقهم أم هل يعلنون صراحة أن منظمة حماس لم تعد تمثلهم باعتبارها هي التي تلقي بهم في أتون النيران..؟!
ثم.. ثم.. ماذا عساهم فاعلين مع أمريكا في ظل هذا التحدي الصارخ والتحيز الذي بلغ أقصي مداه للجانب الآخر الذي اكتسب بدوره كافة عناصر القوة التي لم يمتلكها علي مدي تاريخه لدرجة أن وزير دفاعه لم يتورع عن أن يعلن صراحة.. أن استمرار حماس علي هذا النهج سيؤدي إلي إبادة الفلسطينيين إبادة كاملة من أولهم لآخرهم..!
هل إخراج الأمريكان من معادلة الحل يفيد مَن ويضر مَن..؟!
بديهي.. "ترامب" لا يعنيه الأمر في شيء مع الأخذ في الاعتبار أن قناعته بيهودية القدس.. لا ينازعه فيها منازع..!
مرة أخري أعود وأكرر.. صدقوني.. لا القضية الفلسطينية ستجد حلا ولا القدس ستعود طالما العرب عاجزون أو عازفون عن استخدام الأسلحة الفاعلة المؤثرة والتي يملكون الكثير منها سواء اعترفوا.. أو تهربوا.. أو آثروا السلامة تحت وهم خاطيء بأن المشاكل تحل بعضها ببعضها..!!
إذن لو كان ذلك كذلك.. فسوف تحين الساعة دون خطوة واحدة إلي الأمام.. بل وربما تتحول تهديدات إسرائيل إلي واقع أليم مرير..!!
و.. و.. وشكراً!

إليك في ختام المقال تلك الأبيات الشعرية:
عرفت الهوي منذ عرفت هواك
وأغلقت قلبي عمن سواك
وبت أناديك يا من تري
خفايا القلوب ولسنا نراك
أحبك حبين حب الهوي
وحبا لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوي
فشغلي بذكرك عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك لي الحجب حتي أراك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف