الأهرام
جمال زهران
الذكرى السبعون للنكبة والاستقطاب الإقليمى
أكثر من مائة شهيد، وثلاثة آلاف جريح، فى مشهد وصف بأنه الأكثر دموية فى تاريخ القضية الفلسطينية منذ إعلان إسرائيل عام 1948، وخلال السبعين عامًا، وفى يوم الذكرى السبعين (14 مايو 2018) والأيام التى تلتها. فالشهداء يتساقطون وسط صمت عربى وبالتالى وسط صمت دولي، وكأن الفلسطينيين سقطوا من حسابات الضمير العالمي، ففى ذكرى إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين، تتداعى الأحداث فى ظل خريطة عالمية وإقليمية متغيرة ومختلفة عما كان سائدًا من قبل. فمع بداية هذا العام 2018، تداعت القرارات والأحداث، لتفضى إلى أن تكون الذكرى السبعون هى نقطة تحول خطيرة فى تاريخ القضية الفلسطينية.

فكانت موعدًا مع تنفيذ قرار الرئيسى الأمريكى المتغطرس (ترامب)، باعتبار القدس عاصمة إسرائيل، ولم يكتف بذلك، بل وقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب العاصمة الحالية لدولة إسرائيل غير الشرعية، إلى القدس ووضع حجر الأساس فى احتفالية ضخمة بحضور شخصيات أمريكية مهمة منها إيفانكا ابنة ترامب. وقد شاركت من الدول الأخرى فى احتفال نقل السفارة الأمريكية (32) دولة، وامتنعت عن الحضور، ومن بينها مصر بطبيعة الحال (54) دولة من أصل (86) سفارة أجنبية فى إسرائيل من بينها مصر والأردن.

إذن نحن أمام مشهد استفزازى للشعوب العربية، تجاوز وعد بلفور (1917)، وتجاوز إنشاء إسرائيل العنصرية فى 1948. لكن القراءة التحليلية لمشهد الإقليم، تكاد تنبئ بأن أمريكا وإسرائيل، ومن معهما فى العالم وهم أقلية فى انحسار وأفول، ولذلك فقد سعوا للرجوع إلى الأمام، أو التقدم للخلف، لكى يخفوا الحقيقة بالتظاهر بالقوة فى مواجهة العالم. فأمريكا وإسرائيل لا تعرفان إلا لغة القوة، ولو شعرت الدولتان معًا بأن الدول العربية لديها القدرة على إظهار الغضب الرسمي، بعد وأد الغضب الشعبى عمدًا، لما فكرت أمريكا أصلاً فى هذه الخطوة. الأمر الذى يؤكد مدى الضعف الذى وصلت إليه الدول العربية، ومن ثم لم يكن هناك رهان أمريكى صهيونى على تحرك عربى رسمي، ولا حتى تحرك شعبى تم وأده قهرًا!! وليس بخاف على أحد، رسالة الشكر التى وجهها الـ «نيتانياهو»، إلى «ترامب»، عقب وضع حجر أساس السفارة الأمريكية ونقلها فى مبنى شكلاً، وتسمية شارع باسم «شارع السفارة الأمريكية» (شكرًا لك .. لقد صنعت التاريخ)!!. فأى تاريخ يا نيتانياهو، صنعه ترامب إلا حلقة من حلقات الاستعمار، ستزول يومًا ما، ولنا فى فيتنام العبرة، وجنوب إفريقيا المثل، والمقاومة الجزائرية نموذج يحتذي.

صحيح أن المشهد مأساوي، وتكريس على أن الاستعمار يجدد وجوده فى المنطقة لسنوات أكثر عددًا، وأن الغرب والصهيونية يؤكدون كل يوم كراهيتهم للمنطقة وإصرارهم على استبعاد شعوبها بعد تأميم حكامها.

ولكن سبق القول فى مقال سابق، إن قرار ترامب بالانسحاب الأمريكى من اتفاقية إيران النووية (6 + 1)، كان بهدف تمرير نقل السفارة الأمريكية للقدس، بتكلفة أقل وخسائر أقل، وتأكيدًا على أنهم قادرون على صنع الحدث بديلاً عن الهزائم التى تتلقاها أمريكا كل يوم فى المنطقة، فاختارت «التقدم للخلف، أو الرجوع إلى الأمام»، بهذه الخطوة الاستفزازية.

ففى المقابل انتصار واضح لمحور المقاومة قولاً وفعلاً. فقد انتصرت المقاومة فى سوريا والتسليم بذلك حتى من عتاة الرافضين من قبل إقليميًا وعالميًا، وانتصرت المقاومة فى لبنان بالحصول على الأغلبية فى البرلمان، وانتصرت المقاومة فى العراق بالقضاء على داعش، وبالحصول على الأغلبية فى البرلمان العراقي. وهذا هو محور الشام وبلاد الرافدين قد استقوى واحتل مساحة كبرى فى خريطة المشهد، بدعم روسى مباشر وكذلك الصين على المستوى الدولي. بينما على المستوى الإقليمى فإن إيران أكبر داعم لهذا المحور، ولذلك يُفهم قرار الانسحاب الأمريكي، ومن نقل السفارة الأمريكية للقدس، على أنه محاولة التعويض فى مواجهة تحالف القوى المقاومة.

نحن إذن نعيش وسط إقليم يشهد حالة من الاستقطاب الإقليمى يجسد الاستقطاب الدولى بين شرق بقيادة روسيا والصين، وغرب بقيادة أمريكية عنترية، تفرض أداة القوة فى إدارة علاقاتها ومصالحها. وبقدر الخوف من القوة الأمريكية وجبروتها، لن يُصنع واقع جديد، وعلى العكس فبقدر الشجاعة واستمرار المقاومة، فإن واقعًا جديدًا يتشكل.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف