محمد ابو الفضل
الفن والثقافة فى مواجهة الإرهاب
ربما يكون الكاتب وحيد حامد، من أوائل من انتبهوا لأهمية الفن فى مواجهة الإرهاب، قبل أن يستفحل خطره، كما هو ظاهر الآن. قدم عددا من الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التى تطرقت إلى هذه المسألة باقتدار. لكن القضية حيوية وتحتاج مواجهة مستمرة، تتخطى حدود الفن إلى الثقافة بمعناها الذى يمس تغيير السلوك العام وتوجيهه نحو التحضر.
هناك نحو ستة أعمال معروضة على محطات فضائية مختلفة، اقتربت من زوايا سياسية وأمنية وثقافية مهمة لها علاقة بملف الإرهاب. تؤكد حصيلتها أن لدينا سلاحا لم يتم استخدامه جيدا منذ فترة. سلاح كان من الضرورى أن ينتبه بكثافة للمخاطر التى ينطوى عليها انتشار غول الإرهاب. لو تم توظيفه جيدا، ربما تغيرت مشاهد العنف التى مارسها المتطرفون ضد رجال الجيش والشرطة والقضاة وقطاع كبير من المواطنين الأبرياء.
لا أملك القدرة على التحليل الفنى لما يعرض من مسلسلات على عدد من الشاشات المصرية والعربية، فهذا له ناسه. غير أنه من متابعتى لبعض الأعمال، وجدت أنها تفتح بابا واسعا لحالة كان من الواجب الالتفات إليها، من خلال التوسع الفنى والثقافي، أفقيا ورأسيا، فى طرح القضايا التى لها علاقة بالإرهاب وروافده المتعددة.
مهم أن يتم فضح طرق تجنيد الشباب، والتعرف على طبيعة الإغراءات التى تقدم إليهم، ماديا ومعنويا، وطريقة استقطابهم عبر حيل فكرية مشبوهة، مستندة لتفسيرات دينية مغلوطة. مهم أيضا تقديم هذه النماذج للمُشاهد للعبرة وتعميم الفائدة.
المضمون الذى يجرى تقديمه، يكشف عن ارتفاع الوعى والمسئولية الأدبية والأخلاقية عند صناع الدراما، وهم يسبقون العاملين فى مجال السينما بخطوات، حتى لو كان منهم من يعمل فى المجالين معا.
ما يقدم حاليا فى هذا الفضاء مختلف عن أفلام المقاولات التى أغرقتنا خلال السنوات الماضية بمزيد من الإسفاف والتضليل والفساد. قدمت نماذج مشوهة، تعامل معها بعض الشباب على أنها قدوة. منهم من قلد أبطالها فى التسلق والبلطجة والرغبة فى الرزق السريع. وكان كل من فيلم «هروب اضطرارى» و«الخلية» استثناء فى هذه الحالة أخيرا.
الاهتمام بالأعمال الدرامية التى تتطرق لقضايا الإرهاب، عملية مكملة لما يقدمه الجيش والشرطة من تضحيات جسيمة، لكسر دابر المتطرفين فى مصر. نجاح المهمة باقتدار يحتاج إلى تضافر الجهود الفكرية والدينية والسياسية مع الأمنية، ليستعيد المجتمع عافيته وتتقدم الدولة إلى الأمام.
إذا كان هؤلاء يقومون بأدوارهم على جبهات عديدة وبالطريقة التى تتواءم مع طبيعة عملهم، فعلينا جميعا عدم التخلف عن مساندة التحركات المبذولة لتوفير أعلى درجات الأمن والاستقرار فى مصر. الدراما بدأت تنتبه وكرّست جانبا من أعمالها لمعالجة هذه القضية المحورية.
السينما عليها اللحاق بهذا الركب فى الوقت الراهن عبر تقديم المزيد من الأعمال التى تتناول تفاصيل عميقة، فى المحتوى والمعالجة. ولا أحد ينكر إمساكها مبكرا بطرف الخيط لمكافحة المتشددين فى أفلام، مثل «المصير» و«الإرهاب والكباب» و«الإرهابى» و«حسن ومرقس» و«الإرهاب» و«عمارة يعقوبيان» و«دم الغزال» و«مولانا».
كى تكون المعالجة ذات مروحة عريضة وتحقق أهدافها البعيدة بشأن تنظيف المجتمع من ذوى الأفكار المريضة، من الضرورى أن تتكاتف جميع القطاعات. النجاح الذى حققته الدراما هذا العام، والمبادرات المحدودة التى قدمتها السينما، تؤكد أننا بحاجة إلى رؤية واضحة وشاملة. رؤية تشارك فيها مؤسسات الدولة، من إعلام وتعليم ورجال دين، وثقافة طبعا.
ما يقدم حتى الآن من أعمال، يبدو لكثيرين تصرفات فردية، لا تنم عن تبلور إستراتيجية دقيقة، ترمى إلى القضاء على الإرهاب من جذوره. غالبية المحاولات الرسمية فى هذا المجال كانت نتيجتها بائسة أو لم يحالفها التوفيق.
بعضها تعثر ولا يزال يكابد عناد البيروقراطية وسعى الكثير من الجهات للحفاظ على نفوذها التقليدي، وتمنع من يحاول تصحيح الأخطاء، حتى لو كانت هذه الأخطاء منهجية، وأفضت إلى كوارث مجتمعية، وتجهض الدور الوطنى الذى تقوم به الجهات الأمنية والسياسية.
البعض الآخر، استسلم وأصابه إحباط عندما وجد أن التيار المناهض أقوى من إمكاناته. المشكلة أن اليأس، هو الباب الرئيسى لدخول المتطرفين إلى عقول وقلوب نسبة كبيرة من المواطنين، والجناح الذى يجرى توظيفه ليبقى الحال على ما هو عليه. قبول بواقع مرير يجلب لنا كوارث، وسوف يؤدى إلى كوارث أشد، ما لم يتم إصلاحه تماما.
يأس النخبة الثقافية من ممارسة دورها بصورة صحيحة، ويأس الناس من الإصلاح، مكنا المتطرفين من التسلل إلى قاع المجتمع الذى يمثل الشريحة العريضة، ومنه تتسرب الكثير من الأمراض التى يستغلها من يريدون الهيمنة على مقاليد الأمور فى هذا البلد. من يتاجرون فى الإرهاب، ويسمحون لأفراده بالحركة، ويمدونها بعناصر تضفى عليها حيوية جديدة كلما اقتربت من التلاشي.
الخطة المطلوبة، يجب أن تتجاوز الميراث السلبى الذى لعب دورا فى تمهيد الطريق أمام التطرف. تنطلق من إرادة وعزيمة ورغبة تأخذ فى حسبانها عنصر الوقت، فهو ليس فى صالحنا. التطرف أصبح له رعاة فى الداخل والخارج. تقوم عليه مصالح قوى وجماعات وتعتقد أنه النافذة التى تجهز على مقدرات الدول.
الفرصة مواتية. قد تكون الدراما حملت الشعلة ودقت جرس إنذار حاولنا صم آذاننا تجاه صوته لعدم الاستماع إليه. قدمت طوق نجاة لمن بيدهم الحل الحقيقي. عليهم عدم التخلف عن الجهود المبذولة وتحويلها إلى عملية منظمة ومقصودة. إذا كانت المحاولات الفردية أزعجت رعاة الإرهاب، فما بالنا بالموقف لو هناك خطة فنية وثقافية، تكون الحكومة مسئولة عنها؟
بالطبع الحكومة مدت يد المساعدة، لكن دورها لايزال منقوصا. لم يحمل رؤية متكاملة، تشتغل من خلالها دوائر متباينة، وفقا لتصورات وتوجهات صارمة. ترفض الاستسلام لإحباط يأتى من هنا أو إخفاق يحدث هناك، أو تقف مكتوفة أمام جهة تأبى أن تفرط فيما حصلت عليه من مزايا قدسية بحكم العادة. الفرصة متاحة، عبر الفن والثقافة، لتصحيح أخطاء الماضى والالتفات إلى المستقبل.