جريدة روزاليوسف
كمال عامر
إحسان عبدالقدوس يعترف: «روزاليوسف» كانت تضطهدنى!
سؤال واحد ظل يطارد الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» ولمدة عشر سنوات ومنذ أصبح رئيسًا لتحرير مجلة «روزاليوسف» صيف عام 1945، وكان «إحسان» يتساءل:
لا أدرى حتى اليوم - هل عينتنى السيدة والدتى رئيسًا للتحرير لأنى حركت منها عاطفة الأمومة بدخولى السجن أم لأنى كنت قد استويت وأصبحت استحق المنصب؟!
كتب «إحسان» يشرح الحكاية قائلا: «مضى على صدور «روزاليوسف» ثلاثون عامًا، ومضى على توليتى رئاسة تحرير «روزاليوسف» عشرة أعوام كل يوم منها محفور فى لحمى وفى عظامى، ولم أتول رئاسة تحرير «روزاليوسف» بالساهل فقد كانت والدتى السيدة «فاطمة اليوسف» آخر من أقتنع بأنى أصلح رئيسًا للتحرير.
كنت قد تخرجت فى كلية الحقوق والمجلة تعانى اضطهادًا عنيفًا من حكومة الوفد، كانت الرقابة مفروضة وكانت التعليمة الوحيدة التى يحملها رقيب «روزاليوسف» هو أن يعمل على ألا ينشر فى المجلة شيئا يستحق القراءة!
ولم يكن يعمل بالمجلة أيامها إلا الأستاذ «رخا» الرسام والمرحوم «عزالدين حمدى» وأنا «وكان على أنا وعزالدين حمدى» أن نكتب حوالى سبعين صفحة كل أسبوع، وأن نتمادى فى ابتكار الموضوعات السخيفة، حتى يختار بينها الرقيب ثلاثين صفحة تصدر بها «روزاليوسف» وكنا - عزالدين وأنا- ننام فى غرفة فوق سطوح دار المجلة، وكنا نعمل ليلا ونهارًا وكنا مفلسين، كان مرتبى عشرة جنيهات ومرتبه خمسة عشر جنيها، وبلغ بنا الإفلاس إلى حد أننا كنا لا نأكل إلا «الفيتامينات» ولم تكن تخرج عن الخس والبيض والسكر!!
ثم تنحى الأستاذ «عزالدين حمدى» وبقيت أنا وحدى أكتب السبعين صفحة كل أسبوع، أكتب فى كل المواضيع وفى كل الأبواب ثم أعطى «لرخا» أفكار صور الكاريكاتير ثم أرسم ماكيت المجلة وأشرف على تنفيذه ثم أصحح المقالات و....و....إلخ.
ولم يكن يهمنا أيامها ما ينشر وما لا ينشر، كان كل ما يهمنا هو أن تصدر المجلة فى موعدها وأن تبقى.
وأذكر فى هذه الأيام أنى كنت أكتب مواضيع يشطبها رقيب «روزاليوسف» فأحملها إلى مجلة آخر ساعة - وكانت أيامها وفدية - فتنشر هناك!!
وأخذت أحمل لأخر ساعة كل ما يشطب فى «روزاليوسف» حتى أتخذ من هذا التفريق فى المعاملة حجة على اضطهاد حكومة الوفد لروزاليوسف إلى أن تنبه الأستاذ «فؤاد سراج الدين» ولفت نظر الأستاذ «محمد التابعى» ونادانى الأستاذ التابعى» وعاتبنى عتابًا قاسيًا لم أنشر بعده شيئًا فى آخر ساعة!
وسقطت حكومة الوفد وتنفست «روزاليوسف»، وكانت قد قضت ثلاث سنوات فى كبت قاس وجهاد مر فى سبيل البقاء، فصدر العدد الأول منها بعد سقوط حكومة الوفد كأنه انفجار وبيع منه تسعون ألف نسخة كانت النسخة الواحدة تباع بخمسة قروش وأكثر!!
وانتعشت «روزاليوسف» وازدحمت مكاتبها بالمحررين وأعتقدت أنى بحكم مجهود السنوات الثلاث الماضية سأكون رئيسًا للتحرير أؤ على الأقل مشرفًا على التحرير ولكنى وجدت نفسى أتراجع وأتراجع حتى أصبحت فى آخر الصف!!
كانت والدتى تخاف على من المنصب المبكر وكانت تخاف عليا من أن أصل إلى هذا المنصب لأنى ابنها، لا لأنى أستخقه فكانت تتعمد أن تمرمطنى وتتعمد أن تقنع كل من يعمل بالمجلة إنى لا شىء، ولن أكون شيئًا كانت تشتمنى وتضربنى أمام المحررين!!
ومرت عليا أزمات نفسية عنيفة فلم أكن أستطيع أيامها أن أقدر ما تهدف إليه والدتى، كان كل ما أحسه هو أنى إنسان مضطهد وأنى لا أنال من أمى ما أستحقه من تقدير حتى التقدير المادى، وتعمدت أيامها أن أكتب فى صحف أخرى لأقنع والدتى بأننى أساوى شيئا، وأن جميع الصحف ترحب بى وتسعى وراءى.
وتعمدت السيدة والدتى أن تقنعنى بأن من يكتب فى صحف أخرى لا يصلح للعمل فى «روزاليوسف» إلى أن كتبت مقالا فى «روزاليوسف» أهاجم فيه «اللورد كيلرن» وصودرت المجلة بسبب هذا المقال وقبض عليا ودخلت السجن لأول مرة وخرجت من السجن رئيسًا للتحرير!
وللحكاية بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف