مجلة المصور
سناء السعيد
خريطة طريق لاحتواء إيران..
سارع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى الحادى والعشرين من مايو الجارى بوضع خريطة طريق لإستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة يتم التعامل بموجبها مع مجمل ما تراه أمريكا من تهديدات إيرانية. وتهدف الإستراتيجية إلى التوصل إلى اتفاق نووى جديد مع طهران، وترتكز فى الأساس على تحجيم نشاط إيران النووى وقدراتها الباليستية وتقليص نشاطها كلية فى كل من سوريا واليمن. الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تهدف فى الأساس إلى تشكيل تحالف دولى يقوم بفرض حصار اقتصادى وسياسى على طهران وتطويقها بشروط قاسية تحول بينها وبين برنامجها الصاروخى.



تأتى الإستراتيجية الجديدة بعد أن أدركت أمريكا أنها إذا مضت بمفردها فى فرض العقوبات دون تضافر أوربى معها فلن يكون لهذه العقوبات جدوى حقيقية، ولن تكون مؤثرة بشكل كاف. وبمعنى آخر لن تحقق الغرض من ورائها وستبدو أمريكا عندئذ وقد عزلت نفسها عن الدول الأوربية بسبب سياسات ترامب المتهورة المفرطة فى التصعيد. ولهذا فإن ما طرحه وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو يقضى بتكثيف التواصل مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للتضافر مع أمريكا فى تنفيذ خريطة الطريق هذه. ويأتى ذلك بعد الانتقادات التى وجهتها الميديا فى فرنسا وبريطانيا وألمانيا لسياسة ترامب وطالبت خلالها باستقلالية القرار عن الولايات المتحدة وتبنى سياسة أوربية مستقلة.



ولا شك أن التربص بإيران قائم على قدم وساق.ولقد تخوف الكثيرون من أن يؤدى التهور بترامب إلى الدخول فى معترك عسكرى ضد إيران. ساعد على ذلك وجود شخصية مثل جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى الحالى والذى كان معرضا لانتقاد الكثيرين. ومن هؤلاء كارتر الرئيس الأمريكى الأسبق الذى انتقد قرار تعيينه واصفا إياه بأنه أسوأ أخطاء ترامب ومن شأنه أن يؤدى إلى كارثة على البلاد. لا سيما وأن بولتون كان أحد الذين كانوا وراء قرار غزو العراق فى عام ٢٠٠٣ ، كما أنه يقف وراء تحريك الحرب ضد كوريا الشمالية وإيران. بيد أن الأمور تغيرت اليوم.. صحيح أن أمريكا تريد تغيير النظام ولكن ليس عبر عمل عسكرى إذ أنها لا تسكنها الآن شهية حروب عسكرية مفتوحة لا تعرف لها نهاية. ومن ثم فإن البديل هو ما اعتمدته أمريكا مع دول المنطقة عبر ما يسمى بثورات الربيع العربى، والذى يرتكز على تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة وهى فوضى ممتدة تنطلق من الداخل عبر إثارة صراعات وشحذ توترات وتحريك حروب بالوكالة توفر لها الأرضية لفرض أجندتها وتنفيذ مخططها. لا سيما وأن التعويل على حرب مفتوحة ضد إيران سيؤدى إلى حريق كبير فى المنطقة لن يكون أحد بمنأى عنه.



وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت تتطلع إلى حرب مفتوحة ضد إيران ترتكز على عمل عسكرى تضطلع به الولايات المتحدة إلا أنها ستكون المستفيد الأول من وراء تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، حيث إنها ستكون البداية نحو مزيد من زعزعة الاستقرار فى المنطقة وتفشى الفوضى والخراب وهو ما يصب بالإيجاب فى صالح الكيان الصهيونى الذى يعمل جاهدا لشحذ كل المعادلات من أجل أن يتمكن من اجتثاث الوجود الإيرانى من سوريا.



وبذلك تظل إسرائيل هى الاستثناء فى المنطقة بتفردها بالسلاح النووى حيث تملك ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ رأس نووى، بالإضافة إلى أنظمة صاروخية بقدرات عالية. كما أنها الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لم تنضم إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. بخلاف إيران التى انضمت إلى المعاهدة ورغم ذلك تصاعدت المخاوف من برنامجها النووى مما دفع مجموعة ٥ + ١ إلى توقيع اتفاق معها فى يوليو ٢٠١٥ لضبط إيقاع وطموحات برنامجها النووى. ورغم ذلك يظل هناك قلق وتحفظات حول مدة الاتفاق وما الذى سيكون عليه الوضع بعد ذلك.



بات من الأهمية بمكان اليوم السعى نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لتشمل الجميع بحيث لا يكون هناك استثناء لأحد، وبحيث نصل فى نهاية الأمر إلى التزام دول المنطقة بتحقيق هذا الهدف كى يكون الشرق الأوسط بمنأى عن سباق تسلح بالغ الخطورة. ومن ثم لا بد لدول المنطقة والمجتمع الدولى الشروع فى مفاوضات جادة شاملة حول ضمان التزام الجميع بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل كلها، وأن يتم ذلك بعيدا عن تطبيق المعايير المزدوجة التى تبيح لإسرائيل التفرد بامتلاك السلاح النووى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف