د. جمال عصمت
مستشفى « ثابت ثابت» ينتظر الدعم
على الرغم من وجود عدد من مستشفيات الحميات المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، التى تؤدى دورا حيويا فى التصدى لهذه الأمراض، وبالرغم من انتشار أقسام الأمراض المتوطنة والحميات بكليات الطب المصرية؛ فإن عدم وجود معمل مرجعى متكامل لتشخيص البكتريا والفيروسات يحول دون التشخيص الدقيق وعمل الأبحاث العلمية اللازمة..
ولذلك نلجأ إلى إرسال التحاليل إلى خارج البلاد بما يحمله ذلك من تأخير نتائج أمراض حادة تحتاج إلى سرعة فى التشخيص بالإضافة إلى التكلفة المالية المرتفعة، لذلك كان لابد من التفكير من إنشاء معمل متخصص لتشخيص الأمراض المعدية بدقة مع الاهتمام بسلامة العاملين به وهو ما يطلق عليه معمل السلامة الحيوية من المستوى الثالث (Biosafety Level ٣ Laboratory)، كما أن استعمال نظام العنابر الجماعية لإقامة المرضى يعتبر هو الوسيلة السائدة حتى الآن فى معظم مستشفيات الحميات المصرية، وذلك النظام ليس الأمثل لعلاج الأمراض المعدية، ومن المؤكد أنه لا غنى عن اللجوء لنظام عزل المرضى باستعمال الغرف المنفصلة والمصممة كمناطق معقمة سواء بطرق التعقيم السطحى أو المعالجة الميكانيكية لضغوط الهواء.
ومما سبق يتضح أهمية وجود مستشفى جامعى متخصص ومتكامل للأمراض الباطنية المتوطنة «ثابت ثابت»، لنكون على استعداد لمواجهة أى أوبئة أو أمراض فتاكة تهدد المجتمع سواء بالوقاية أو العلاج بالإضافة إلى البحث العلمي، تلك الأمراض التى ظلت مهملة فى مصر طوال الأعوام الماضية، وهذه الأمراض ومضاعفاتها هى السبب الرئيسى للوفيات على مستوى العالم، وطبقا لإحصائية وزارة الصحة، فإن إجمالى الحالات التى دخلت مستشفيات الحميات بمصر عام ٢٠١٢ نحو ٨٢ ألفا و٧٠٨ حالات منها ٦٥ ألفا و٣٥٣ حالة بنسبة ٩٧ فى المائة لم يتم تشخيصها.
وفى أكتوبر ٢٠١٣ قامت جامعة القاهرة بإحياء مشروع مستشفى الأمراض الباطنية المتوطنة «ثابت ثابت» بعد توقف دام عدة سنوات، على الأرض التى أوصى بها المرحوم ثابت ثابت جورجى منذ عام ١٩٣٦- وهو رجل أعمال سورى الأصل وإيطالى الجنسية وعاش وعمل فى مصر وتبرع بكل ما يملك لبناء معهد ومستشفى لعلاج الأمراض المتوطنة - وخلال عامين وبعد أن قامت الجامعة بضخ التمويل من مواردها الذاتية، تم الافتتاح التجريبى للمرحلة الأولى للمستشفى التى تضم العيادات الخارجية والمعامل الاعتيادية ومركز التشخيص بالموجات فوق الصوتية ومناظير الجهاز الهضمي.
ولكن لا يزال المستشفى بحاجة إلى المزيد من الدعم المالى حتى يكتمل الحلم ويخرج المستشفى إلى النور بكامل طاقته كأول مستشفى حميات جامعى لتشخيص وعلاج الأمراض المعدية فى مصر والشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولإنشاء المعمل المرجعى للفيروسات الذى تصل تكلفته إلى ٣٠٠ مليون جنيه مصرى، قد تتضاعف مع عدم توافر التمويل اللازم حاليا، وهذه دعوة لمنظمات المجتمع المدنى والجهات المانحة لدعم هذا المشروع، الذى سينقل مصر إلى آفاق جديدة فى تشخيص وعلاج الأمراض المعدية، لتصبح مصر هى المرجع للدول العربية وشرق إفريقيا فى هذا المجال، فالمستشفى يعد مؤسسة علاجية ومرجعية رائدة فى مجال الأمراض الباطنية المتوطنة والأوبئة، والعمل عن كثب على المستوى البحثى والعلاجى لمواجهة التحديات الصحية المعاصرة والمستقبلية فى مصر والشرق الأوسط والدول الإفريقية.
وجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية، تخصص الجزء الأكبر من دعمها المادي؛ لمقاومة الأمراض المعدية مثل الدرن، الملاريا، الإيدز، والفيروسات الكبدية وذلك بسبب عظم المردود الاقتصادى لعلاج هذه الأمراض، فعلى سبيل المثال تكلفة علاج مريض فيروس سى حاليا فى مصر لا تتعدى ١٥٠٠ جنيه، فى حين أن علاج أورام الكبد التى قد يسببها الفيروس فى حالة عدم علاجه هى ٥٠٠ ألف جنيه، التى تكفى لعلاج ٣٥٠ مريضا من الفيروس.
بلغ عدد المترددين على المستشفى منذ افتتاحه فى فبراير ٢٠١٧ حتى أبريل ٢٠١٨ نحو ١٠ آلاف و٤٤٤ مريضا ما بين عيادة باطنى ومتوطنة، وعيادة أطفال وسونار ورسم قلب ومعامل ومناظير وعيادة تغذية، المستشفى طاقته نحو ٣٥٠ سريرا، ٢ غرف عمليات، ٢٤ عيادة خارجية، وأقسام تشخيصية وبحثية متكاملة.
الدولة ومجلس الوزراء ووزارة التخطيط ووزارة التعليم العالى تدعم إنشاء مستشفى الأمراض الباطنية المتوطنة «ثابت ثابت»، بقوة خلال هذه الفترة، لكن يبقى الدعم الإعلامى ودعم المجتمع المدنى لاستكمال هذا الصرح الطبى الذى ليس له مثيل فى مصر أو الوطن العربى أو شرق إفريقيا لتشخيص الأمراض المعدية والمتوطنة والأوبئة والأمراض الوافدة التى لا يوجد حاليا أى إمكانيات لتشخيصها أو حماية مصر من هذه المشاكل، فالتواصل على مدار الساعة بين الدول الأخرى ومصر تستقبل أفرادا من مختلف الدول قد يكون بهذه الدول أمراض وافدة غير معروفة فى مصر وليس لدينا وسيلة لتشخيصها، وهذه الأمراض إذا دخلت مصر ولم يتم التصدى لها فهذه كارثة، بخلاف المشاكل الصحية الموجودة فى مصر .
لذلك فنحن ندعو المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية للتضافر مع جامعة القاهرة والدولة فى استكمال هذا الصرح الطبى الذى سوف يخدم مصر والدول العربية ومنطقة شرق إفريقيا بالكامل، وأدعو مؤسسة دار الهلال ومجلة المصور لتبنى مؤتمر صحفى يعقد بهذا الشأن فى القريب العاجل.