مجلة المصور
جمال اسعد
ولادة الأحزاب وليس تصنيعها
جاء فى الدستور فى الباب الأول أن النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة وتلازم المسئولية مع السلطة كما يحظر على رئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة حتى يتفادى سيطرة حزب السلطة أو الانحياز له، لذا فالدستور بمواده وتوجهاته قد اتسق مع التعددية الحزبية التى هى الجوهر الأساسى للنظام الديمقراطى وهى الطريق الوحيد لتطبيق مبدأ تداول السلطة، فلا ديمقراطية بدون تعددية ولا تعددية بدون أحزاب فما حكاية الأحزاب لدينا!



نعم من المعروف أن نظام الأحزاب كنظام سياسى هو وليد الأنظمة السياسية الحزبية فلم تعرف النظم الحزبية فكرة الأحزاب إلا من خلال التأثير والتأثر بين الدول بعضها والبعض الآخر كما أن نقل بعض النظم السياسية والإدارية كان قد تم من خلال الحملات الاستعمارية خاصة بعد الحملة الفرنسية ١٧٨٩ وبعد الاحتلال البريطانى ١٨٨٢ ولذلك قد وجدنا أن الحياة الحزبية فى مصر قد بدأت إرهاصاتها منذ عام ١٨٧٩، ولم تكن قد نشأت الأحزاب رسمياً رغم وجود الاتجاهات السياسية والحزبية التى عبرت عنها الصحافة عام ١٨٧٩، ولذا وجدنا عام ١٩٠٧ كانت هناك ثمانية أحزاب سياسية فى وقت واحد، فهل نشأت الأحزاب هذه فى تلك الفترة وبالصورة التى وجدت عليها كانت تعى الديمقراطية وكانت تؤكد التعددية؟ هل كان نظام الحكم حين ذاك يفعل الديمقرطية ويعرف ما يسمى بتداول السلطة؟ بل هل كان هناك مجال سياسى وممارسة سياسية حقيقية تعطى الفرصة وتفتح المجال للشعب للمشاركة فى اتخاذ القرار ؟ لا شك لم تكن هناك ديمقراطية ولم تهدف هذه الأحزاب للوصول للسلطة، ولكن المناخ السياسى فى ذلك الوقت كان تسيطر عليه قضية الاستقلال من المحتل الإنجليزى فى الوقت الذى كان هناك أحزاب تطالب بالاستقلال وهناك أحزاب أيضاً مع الاحتلال، ولذا كانت الأحزاب والفكرة الحزبية تدخل فى إطار الوجاهة السياسية والاجتماعية لطبقة برجوازية صاعدة وتريد أن تثبت وجودها تأثراً بالمحتل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك نرى أن مسار قراءة المسيرة الحزبية فى مصر يبدأ ويتمحور حول الحزب الوطنى مع أحمد عرابى والحزب الوطنى كان مسمى قبل مصطفى كامل فعرابى كعسكرى وفى هبته فى مواجهة الخديوى التى كانت تسعى لإصلاحات فى الجيش ومواجهته مع الإنجليز لم تكن تحت لواء الحزب الوطنى، ولذا لا نستطيع أن نقول إن الحزب الوطنى المنسوب لعرابى كان حزباً بالمفهوم الحزبى أو بالمعنى السياسى، ولكنه تنظيم لجماعة اصطفت حول اسم عرابى لمواجهة ظروف قد فرضت عليهم فرضاً حتى وجدنا هذا الحزب وهؤلاء الأشخاص منهم من انقلب على عرابى ذاته بل أصبح ضد فكرة مواجهة الاحتلال الإنجليزى نفسه حيث كان موقف الخديوى والاحتلال واحدا، ثم وجدنا الحزب الوطنى برئاسة مصطفى كامل كانت وجهته الأولى وهدفه الأوحد هو التخلص من الاحتلال الإنجليزى الغربى حتى ولو عن طريق فرنسا الغربية، ثم تطورت قضية الاستقلال وليس تطور الحياة الحزبية، حيث وجدنا أن مواجهة الاحتلال والتى أصبحت قضية جماهيرية بعد أن كانت قضية كلامية نخبوية شاهدنا دوراً جماهيرياً فى الشارع، مما أوجد زحماً سياسياً ضد الاحتلال ساعد ودفع سعد زغلول وجماعته لتصعيد أساليب المواجهة ضد الإنجليز أنتجت هبة ١٩١٩ وصولاً للدستور ١٩٢٣، الذى لم يكن راضياً عنه سعد زغلول وجماعته الشئ الذى يعنى أن حزب الوفد الذى كان إفرازاً لهبة ١٩١٩ لم يمارس دوره كحزب بالمفهوم السياسى والحزبى للأحزاب، حيث إن ولادة ووجود الأحزاب منذ ١٩٠٧ كانت تجربة بنت وقتها ونتيجة لمعطيات واقعها السياسى، الذى جعل الأحزاب تهدف إلى الاستقلال والأهم تكون وتدور حول ما يسمى بالزعيم أى أحزاب مشخصنة حول زعيم واحد، بدأ من أحمد عرابى ومصطفى كامل وسعد زغلول حتى رأينا ومنذ بداية الصراع حول الزعامة لا سياسة وعمل سياسى بهدف ومن أجل المبادئ، فكان الصراع بين سعد وعدلى يكن حتى كان هناك شعار مخجل ودال على توصيف المفهوم الحزبى آنذاك «الاحتلال على يد سعد أحسن من الاستقلال على يد عدلى «فى الوقت الذى كان فيه سعد زغلول وزعامته نتاج قضية الاستقلال ذاتها هذه قراءة لولادة الأحزاب نتيجة لمناخ وظروف أثرت وشكلت هذه الولادة، ومع قراءة المسيرة الحزبية التى تنعت بمرحلة ما يسمى بالتعددية الحزبية وتداول السلطة لم نجد تعددية بالمعنى السياسى والحزبى حيث إن الزعامة والقيادة والترشح والانتخاب للنخبة ولمن يملك، ولم نجد تداول سلطة حيث إن حزب الوفد وهو كان ما يسمى بحزب الأغلبية لم يصل لهذه السلطة من ١٩٢٤ حتى ١٩٥٢ غير حوالى سبعة أعوام فقط ولكن وجدنا وورثنا ميراثا حزبيا يتمحور ويتحوصل حول الزعامة الفردية فقط حتى بعد ١٩٥٢ وبعد حل الأحزاب وجدنا الحزب الواحد بزعامة جمال عبد الناصر حيث ورث الزعامة على الحزب الوطنى أنور السادات ثم حسنى مبارك، حيث إن هذه التنظيمات والأحزاب ذات الأغلبية والحاكمة لم تكن أغلبيتها نتاج قناعة حزيبة وإيمان برؤية سياسية بقدر ما هو حشد وراء الحاكم والزعيم ونظامه السياسى حتى يبدأ إعادة التجربة الحزبية الموجهة والمصنعة بعد عام ١٩٧٧، وجدنا ما يطلق عليهم أحزاب المعارضة وجدنا هذه الأحزاب أيضاً تنسب إلى زعيمها الأوحد فؤاد سراج الدين - خالد محى الدين - إبراهيم شكرى، حتى وجدنا بعد هذه الزعامات أحزابا بلا أحزاب بل وجدنا جمعيات دفن موتى لا علاقة لها بالأحزاب وللأسف ما زالت آثار وميراث هذه الولادة غير الطبيعية هى حالة من حالات تضييع للأحزاب وليس ولادة أحزاب ولادة طبيعية ويبدأ بعيدا عن هذه الولادة القيصرية و وجدنا أكثر من مائة حزب مع غياب حقيقى لأى ظواهر لحياة حزبية حقيقية، لاشك فهذه الحالة لها أسبابها التى تقع مسئوليتها على الجميع حكومة وشعباً وأحزاباً، ولذا لم نجد مرشحاً حزبياً يمتلك تواجداً شعبياً أو حزبياً مع الرئيس السيسى فى انتخابات ٢٠١٨، وهو ما تحدث عنه الرئيس نفسه مؤكدا أنه كان يتمنى أكثر من مرشح فى الانتخابات الرئاسية.



يضاف إلى هذا ونتيجة له غياب الممارسة الحزبية فى البرلمان فلا يوجد ائتلاف حزبى بالمعنى الحزبى يقود الأغلبية، ولكن وجدنا أغلبية عددية للمستقلين مما يضعف أى تعددية حزبية، وجدنا ائتلاف دعم مصر الذى يريد البعض تحويله إلى حزب أغلبية حيث أعلن أن الهدف هو مساندة الحكومة، وكأن هدف الأحزاب منذ البداية هو مساندة الحكومة وليس تشكيل حزب بالطريقة السياسية الجماهيرية الذى تحصل على ثقة الشعب فى أغلبية تخول له الحكم أو أن يكون الحزب معارضاً حيث إنه لا تستقيم الحياة السياسية ولا يوجد نظام سياسى تعددى من غير حزب أغلبية وأحزاب معارضة، ولو حدث هذا فهو يعنى أننا نسير فى ذات الطريق ونقع فى نفس الحفرة نحن نريد ولادة طبيعية لأحزاب تأتى من الشارع وبثقته وببرنامج سياسى ورؤية سياسية تعبر عن الأغلبية عند التسويق الانتخابى أو تكون أحزابا معارضة، ولكن لا يوجد ما يسمى بتصنيع حزب للأغلبية لمساندة الحكومة هنا إعادة واستنساخ للاتحاد الاشتراكى وللحزب الوطنى أى أننا نسير فى موقعنا ولا نريد أن نتحرك خطوة واحدة للأمام، فإذا كانت هناك قناعة لحياة حزبية حقيقية فلتكن بداية دمج بعض الأحزاب حول موقف سياسى بلا ذاتية ولا عقد نفسية ويبدأ هذا الحزب فى الشارع مع الجماهير لكسب الثقة حتى تكون هناك أحزاب حقيقية وليست مصنعة

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف