لا ينكر منصف الجهد الرائع الذى تبذله هيئة الرقابة الإدارية فى مطاردة الفساد بكل صوره، ورغم هذا الجهد الجبار، ألا أن بعض ألوان الفساد التى يسهل ضبطها وإنهاؤها كثيراً ما تجعل العاملين فى الأماكن التى يظهر فيها هذا الفساد يشككون فى قدرة هيئة الرقابة الإدارية على التصدى لمثل هذه التصرفات.
من الأمثلة الصارخة ما نشرته مجموعات من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعى من مكافآت بعشرات الملايين من الجنيهات تصرف لمستشارين بوزارة النقل وهذه المبالغ التى تداولتها هذه الأخبار تغطى الخسائر التى تحدث عنها وزير النقل والتى -حسب رأيه- كانت السبب الذى اضطره إلى رفع قيمة تذكرة مترو الأنفاق.
قائمة المستشارين هذه مع معاناة الملايين من غير القادرين نتيجة لرفع قيمة تذكرة مترو الأنفاق ترسب فى نفوس الجماهير الغفيرة شعوراً قاسياً بأن بعض ألوان الفساد تستطيع أن تتحايل على جهود الرقابة الإدارية أو أن تتحدى هذه الجهود.
وعندما تقرأ الجماهير قائمة تضم العشرات ممن يجمعون بين عضوية مجلس النواب ووظائفهم التنفيذية فى شركات قطاع عام أو شركات تساهم فيها الدولة ومؤسساتها بنسبة تجعلها تعامل معاملة شركات القطاع العام، عندما تقرأ الجماهير هذه الأسماء ويتداولها العاملون بهذه المؤسسات باعتبار هذه الأوضاع تمثل تحدياً صريحاً للدستور وتحايلاً باستصدار فتوى من جهات ليست مخولة بتفسير الدستور، هذه الحالات التى تمثل تحدياً خطيراً لنص دستورى صريح يغرس بذور الشك فى نفوس العاملين بهذه الشركات فى أن هيئة الرقابة الإدارية إما أنها تغض الطرف قصداً عن هذه الحالات أو أن الأشخاص الذين يتحدون نصوصاً دستورية واضحة أقوى من كل أجهزة الدولة الرقابية، وبعض هذه الحالات يتكفل الشخص المتحدى للدستور بإشاعة الشعور بأنه أقوى من كل أجهزة الدولة الرقابية.
وفى سبيل تثبيت هذا الشعور لدى العاملين فى الشركة يحرص على التصرف بطريقة تسمح فعلاً بإقناع العاملين أنه فوق القانون والدستور والهيئات الرقابية، فأسطول السيارات الفاخرة والمكاتب التى تتكلف الملايين يتم إنشاؤها لتكون قريبة من مجلس النواب، وأخيراً يستصدر قراراً من الجمعية العمومية للشركة -التى لا تحقق أرباحاً- بزيادة مرتبه لأكثر من الضعف ليصل إلى مائة ألف جنيه؟!! فهل يا ترى صدر استثناء لسيادته ومن له مثل ظروفه ليتجاوزوا الحد الأقصى من الدخول الذى هللت له الجماهير يوم صدوره؟!
الأمثلة كثيرة وكلها تصرفات تستفز المواطنين خاصة فى ظل قرارات ترهق الأغلبية الساحقة من المواطنين، فهل تبقى مثل هذه التصرفات التى تمثل فساداً مستفزاً يتراجع معه الشعور بالجهد الرائع الذى تبذله هيئة الرقابة الإدارية فى محاربة الفساد.
وفى هذا السياق أتذكر مثلاً رائعاً يقول «إن البقع السوداء الصغيرة تكون أكثر ظهوراً أو وضوحاً فى الثوب الأبيض».