بهاء جاهين
محمد الجمّال.. تذكروا هذا الاسم
وسط زحام مسلسلات رمضان، وإعلاناته التى تكاد تطمس الأعمال الفنية وتحّول زحامها إلى متاهة؛ تحت ذلك الركام الهائل من العُنف والرصاص والدم و كوميديات الضحكات الفاترة؛ من اللصوص ورجال الشرطة ورجال الأعمال وأطفال الإعلانات والصبايا الفاتنات والمسنات من الجدات والأمهات، فى أعمال درامية، وإن اختلفت تفاصيلها أو فى ميلها للجد أو الهزل، فإنها تتشابه فى الجو البوليسى والمطاردات؛ تحت ثِقل هذا التضخم المبالغ فيه المتكرر سنوياً فى رمضان شهر الزهد، تلك التخمة التى تختتم نهار الصوم، فى هذا الكرنفال الموسمى السهران حتى الفجر، تسللت إلى سمعى كلمات مُغَناة استوقفنى جمالها الطازج، ذو المذاق المختلف عما تعودناه فى معانى الأغاني، خاصة تترات المسلسلات. وانتبهت إلى أن تلك الكلمات هى تتر مسلسل «أيوب» الذى كنت قد لمحت أجزاء منه بين الزحام التليفزيونى الرهيب وطوفان الإعلانات، لكن تلك المشاهد القليلة كانت كافية لفهم طبيعة المسلسل، حيث الشخصيات إما ملائكة أو شياطين، كبعض أفلام الأبيض والأسود القديمة. أما كلمات التتر، التى لم أتوصل لاسم كاتبها إلا بعد مجهود كبير ومحاولات متكررة على الإنترنت، فكانت شعراً حلالاً وجديداً تماماً، كتبه شاعر لم أسمع به من قبل، توصلت إلى اسمه بعد أن أوقفت شريط العرض لإحدى حلقات المسلسل على اليوتيوب. و قد اصطدته بصعوبة، لأن الاسم (محمد الجمّال) لم يُمنح إلا ثانية واحدة من زمن التتر، وسط زحام من أسماء ضم أيضاً الملحن والموزع والمغني، اجتمعت معاً بخط صغير فى لوحة واحدة ولثانية واحدة. وانتقاماً من هذا الإهمال والتجاهل للقيمة الفنية؛ وقبل هذا وبعده، إعجاباً بطزاجة أعُدُّها فتحاً من فتوحات كتابة التتر التليفزيوني، قررت أن ألفت نظر قارئى العزيز لهذا الشعر الجميل والتعبير المكثف والمختلف فى شكل ست رباعيات: 24 سطراً كل سطر منها صورة شعرية أو قصيدة من بيت واحد تحكى حكاية القيمة الذاتية التى يقتلها ويجهضها ويئدها ما حولها, -وأكرس ما تبقى من مساحة لتلك السطور الشعرية لترى بنفسك مصداق ما أقول:
أنا بيت قديم.. جدرانه م الخوف شرَّخت/ أنا ضحكة.. يسمعها القتيل لو صرّخت/ أنا صورة من كُتر الغبار اتعفّرت/ أنا نكتة حلوة اتكررت.. واهى بَوّخت!
أنا أرض بور الهم خدها حق انتفاع/ أنا سهم بورصة وفى انخفاض مش فى ارتفاع/ أنا متهم، وماليش كمان حق الدفاع/ أنا باب ومقفول من سنين.. مفتاحه ضاع!
أنا شكل بس ومنظر انما مش باعيش/ أنا قصة من تأليفي.. بس ماتتحكيش/ فى الحزن واخد دور بطولة وألف جايزة/ مع إنى ما بتنزلش صورتى على الأفيش!
أنا حلم.. كل ما باحلمه بيطلع كابوس/ أنا سلعة للبيع والشرا.. من غير فلوس/ أنا حد كان شاطر قوى ويوم الامتحان/ نسى لجنته وضيّع كمان رقم الجلوس!
أنا دمعة نازلة بتبكى فى وقت الهزار/ أنا شيء بسيط محطوط فى قايمة الانتظار/ أنا تُحفة حلوة بجد معروضة ف بازار/ أنا جرح.. ممكن تقتله بأى اعتذار!
أنا حد ضايع حقُّه.. إكمِنُّه مازال/ طيب.. وشايل كوم هموم فوق الاحتمال/ أنا نجم.. وف عز انبساطُه وشهرتُه/ بطّل خلاص تمثيل وقرّر الاعتزال!/.. أنا بيت قديم..
هكذا تنتهى الأغنية بالعودة لمبتدئها، لترسم لنا دوامة يدور فيها أيوب. هل تتذكرون الآن اسم كاتب الأغنية؟ .. محمد الجمّال.. تذكروا هذا الاسم.